( فصل ) :
وأما فهذه النفقة تجب على وجه لا تصير دينا في الذمة أصلا سواء فرضها القاضي أو لا بخلاف نفقة الزوجات فإنها تصير دينا في الذمة بفرض القاضي أو بالتراضي حتى لو فرض القاضي للقريب نفقة شهر فمضى الشهر ولم يأخذ ليس له أن يطالبه بها بل تسقط وفي نفقة الزوجات للمرأة ولاية المطالبة بما مضى من النفقة في مدة الفرض . بيان كيفية وجوبها
وقد ذكرنا وجه الفرق بينهما في نفقة الزوجات فيقع الفرق بين النفقتين في أشياء : منها ما وصفناه آنفا أن نفقة المرأة تصير دينا بالقضاء أو بالرضا ونفقة الأقارب لا تصير دينا أصلا ورأسا ، ومنها أن نفقة الأقارب أو كسوتهم لا تجب لغير المعسر ونفقة الزوجات أو كسوتهن تجب للمعسرة والموسرة ومنها أن نفقة الأقارب أو كسوتهم إذا هلكت قبل مضي مدة الفرض تجب نفقة أخرى وكسوة أخرى وفي نفقة الزوجات لا تجب .
ومنها أن نفقة الأقارب أو كسوتهم إذا تعيبت بعد مضي المدة لا تجب أخرى وفي نفقة الزوجات تجب وقد مر الفرق بين هذه الجملة في فصل نفقة الزوجات ومنها أنه إذا لا يسترد شيئا منها بلا خلاف وفي نفقة الزوجات خلاف عجل نفقة مدة في الأقارب فمات المنفق عليه قبل تمام المدة ويحبس في نفقة الأقارب كما يحبس في نفقة الزوجات أما غير الأب فلا شك فيه . محمد
وأما الأب فيحبس في نفقة الولد أيضا ولا يحبس في سائر ديونه ; لأن إيذاء الأب حرام في الأصل وفي الحبس إيذاؤه إلا أن في النفقة ضرورة وهي ضرورة دفع الهلاك عن الولد ; إذ لو لم ينفق عليه لهلك فكان هو بالامتناع من الإنفاق عليه كالقاصد إهلاكه فدفع قصده بالحبس ويحمل هذا القدر من الأذى لهذه الضرورة وهذا المعنى لم يوجد في سائر الديون ولأن ههنا ضرورة أخرى وهي ضرورة استدراك هذا الحق أعني : النفقة ; لأنها تسقط بمضي الزمان فتقع الحاجة إلى الاستدراك بالحبس ; لأن الحبس يحمله على الأداء فيحصل الاستدراك ، ولو لم يحبس يفوت حقه رأسا فشرع الحبس في حقه لضرورة استدراك الحق صيانة له عن الفوات وهذا المعنى لا يوجد في سائر الديون ; لأنها لا تفوت بمضي الزمان فلا ضرورة إلى الاستدراك بالحبس ولهذا قال أصحابنا : إن الممتنع من النفقة يضر ولا يحبس بخلاف الممتنع من سائر الحقوق ; لأنه لا يمكن استدراك هذا الحق بالحبس ; لأنه يفوت بمضي الزمان فيستدرك بالضرب بخلاف سائر الحقوق وكذلك الجد أب الأب وإن علا لأنه يقوم مقام الأب عند عدمه .