الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قال لأمته : أول ولد تلدينه فهو حر وإن ولدت ولدا فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم ولدت ولدا حيا لا شك في أنه لا يعتق الولد الميت وإن كان الولد الميت ولدا حقيقة ، وهل يعتق الولد الحي ؟ قال أبو حنيفة : يعتق ، وقال أبو يوسف ومحمد : لا يعتق وحاصل الكلام يرجع إلى كيفية الشرط أن الشرط ولادة ولد مطلق أو ولادة ولد حي فعندهما : الشرط ولادة ولد مطلق فإذا ولدت ولدا ميتا فقد وجد الشرط فينحل اليمين فلا يتصور نزول الجزاء بعد ذلك وعند أبي حنيفة : الشرط ولادة ولد حي فلم يتحقق الشرط بولادة ولد ميت فيبقى اليمين فينزل الجزاء عند وجود الشرط وهو ولادة ولد حي ، وجه قولهما أن الحالف جعل الشرط ولادة ولد مطلق ; لأنه أطلق اسم الولد ولم يقيده بصفة الحياة والموت ، والولد الميت ولد حقيقة حتى تصير المرأة به نفساء وتنقضي به العدة وتصير الجارية أم ولد له ، ولهذا لو كان المعلق عتق عبد آخر أو طلاق امرأة نزل عند ولادة ولد ميت وكذا إذاقال لها : إن ولدت ولدا فهو حر وعبدي فلان فولدت ولدا ميتا عتق عبده ولو لم تكن هذه الولادة شرطا لما عتق فإذا ولدت ولدا ميتا فقد وجد الشرط لكن المحل غير قابل للجزاء فينحل اليمين لا إلى جزاء وتبطل كما إذا قال لعبده : إن دخلت الدار فأنت حر فباعه قبل الدخول ثم دخل تنحل اليمين لكن لا إلى جزاء حتى لو اشتراه ودخل لا يعتق وإن أمكن تقييد التعليق بالملك كأنه قال : إن دخلت الدار وأنت في ملكي مع ذلك لم يتقيد به كذا ههنا ولأبي حنيفة إن الإيجاب أضيف إلى محل قابل للحرية ; إذ العاقل الذي لا يقصد إيجاب الحرية فيما لا يحتمل الحرية ; لأنه سفه والقابل للحرية هو الولد الحي فيتقيد به كأنه قال : أول ولد ولدتيه حيا فهو حر كما إذا قال لآخر : إن ضربتك فعبدي حر أنه يتقيد بحال الحياة للمضروب حتى لو ضربه بعد موته لا يحنث لعدم قبول المحل للضرب كذا ههنا ، ولا فرق سوى أن ههنا تقيد لنزول الجزاء وهناك تقيد لتحقق الشرط بخلاف ما إذا علق بالولادة عتق عبد آخر أو طلاق امرأته ; لأن هناك المحل المضاف إليه الإيجاب قابل للعتاق والطلاق فلا ضرورة إلى التقييد بحياة الولد كما إذا قال لها : إن ولدت ولدا فأنت حرة أو قال : أول ولد تلدينه فأنت حرة فولدت ولدا ميتا عتقت وههنا بخلافه وهو الجواب عن قوله : إذا ولدت ولدا فهو حر وعبدي فلان ، أن ولادة الولد الميت تصلح شرطا في عتق عبد آخر لكون المحل قابلا للتعليق ولا تصلح شرطا في عتق الولد لعدم قبول المحل .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية