الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) الدم الذي يكون على رأس الجرح والقيء إذا كان أقل من ملء الفم ، فقد روي عن أبي يوسف أنه ليس بنجس وهو قياس ما ذكره الكرخي ، لأنه لا يجب بخروجه الوضوء ، وعند محمد نجس ، هو يقول : إنه جزء من الدم المسفوح ، والدم المسفوح نجس بجميع أجزائه ، وأبو يوسف يقول : إنه ليس بمسفوح بنفسه ، والنجس هو الدم المسفوح لقوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس } والرجس : هو النجس ، فظاهر الآية يقتضي أن لا محرم سواها فيقتضي أن لا نجس سواها إذ لو كان لكان محرما ، إذ النجس محرم ، وهذا خلاف ظاهر الآية ، ووجه آخر من الاستدلال بظاهر الآية أنه نفى حرمة غير المذكور ، وأثبت حرمة المذكور ، وعلل لتحريمه بأنه رجس - أي نجس - ولو كان غير المذكور نجسا لكان محرما ; لوجود علة التحريم ، وهذا خلاف النص ; لأنه يقتضي أن لا محرم سوى المذكور فيه ، ودم البق والبراغيث ليس بنجس عندنا ، حتى لو وقع في الماء القليل لا ينجسه ، ولو أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم لا يمنع جواز الصلاة .

                                                                                                                                وقال الشافعي : هو نجس لكنه معفو عنه في الثوب للضرورة ، ( واحتج ) بقوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة والدم } من غير فصل بين السائل وغيره ، والحرمة - لا للاحترام - دليل النجاسة .

                                                                                                                                ( ولنا ) قوله تعالى : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } الآية والاستدلال بها من الوجهين اللذين ذكرناهما ، ولأن صيانة الثياب والأواني عنها متعذرة فلو أعطي لها حكم النجاسة لوقع الناس في الحرج ، وأنه منفي شرعا بالنص ، وبهذين الدليلين تبين أن المراد من المطلق المقيد وهو الدم المسفوح ودم الأوزاغ نجس ; لأنه سائل ، وكذا الدماء السائلة من سائر الحيوانات لما قلنا ، بل أولى ، لأنه لما كان نجسا من الآدمي المكرم فمن غيره أولى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية