الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو كان المملوكان أختين فوطئ المولى إحداهما فإن علقت منه ، عتقت الأخرى بالإجماع ; لأنها صارت أم ولد له ، وقد ذكرنا أن الاستيلاد يكون معينا للعتق في الأخرى ، وإن لم تعلق لا تعتق الأخرى في قول أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد تعتق ، وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه قال : وكذلك لو قبل إحداهما بشهوة أو لمس بشهوة أو نظر إلى فرجها عن شهوة ولو استخدم إحداهما لا تعتق الأخرى في قولهم جميعا ; لأن الاستخدام تصرف لا يختص بالملك إذ قد يستخدم الحرة .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن الظاهر من حال العاقل المتدين الإقدام على الوطء الحلال لا الحرام ، وحل الوطء لا يثبت إلا بأحد نوعي الملك ولم يوجد ههنا ملك النكاح ; فتعين ملك اليمين للحل ، وإذا تعينت الموطوءة للملك تعينت الأخرى للعتق ; ولأن الوطء لو لم يجعل بيانا فمن الجائز أن يقع اختياره على الموطوءة ; فيتبين أنه وطئ حرة من غير نكاح فيجعل الوطء بيانا ضرورة التحرج عن الحرام حالا ومآلا ، حتى لو قال : إحداكما مدبرة ، ثم وطئ إحداهما ، لا يكون بيانا بالإجماع ; لأن التدبير لا يزيل ملك الاستمتاع فلا حاجة إلى التحرز بالبيان ; ولهذا جعل الوطء بيانا في الطلاق المبهم حتى لو قال لامرأتيه : إحداكما طالق ، فوطئ إحداهما طلقت الأخرى ، كذا ههنا ولأبي حنيفة أن كون الوطء بيانا للعتق في غير الموطوءة يستدعي نزول العتق ; ليكون العتق تعيينا للمعتقة منهما ، والعتق بالكلام السابق غير نازل ; لما بينا من الدلائل ، وهكذا نقول في الطلاق المبهم : إنه غير واقع في غير المعين منهما بل هو معلق بشرط الاختيار ، إلا أن هناك جعل الوطء دلالة الاختيار ولم يجعل ههنا ; لأن الوطء في باب النكاح مستحق على الزوج شرعا ; لقوله عز وجل { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } قيل في التفسير : إن الإمساك بالمعروف هو الوطء والنفقة ، وإذا كان الوطء مستحقا بالنكاح عند اختيار الإمساك فإذا قصد وطء إحداهما صار مختارا لإمساكها فيلزمه إيفاء المستحق شرعا ضرورة اختيار الإمساك فيصير مختارا طلاق الأخرى ، والوطء في الأمة غير مستحق بحال فلا يكون وطء إحداهما اختيارا للعتق في الأخرى لو صار مختارا للإمساك إنما يصير ; ليقع وطؤه حلالا تحرجا عن الحرمة ووطؤه إياهما جميعا حلال ، وباختيار إحداهما لا يظهر أن وطء الموطوءة كان حراما ; لأن العتق ثبت حال الاختيار مقصورا عليها .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية