( وأما ) بيان حال الاستعمال وتفسير الماء المستعمل  فقال بعض مشايخنا : الماء المستعمل : ما زايل البدن واستقر في مكان وذكر في الفتاوى : أن الماء إذا زال عن البدن لا ينجس ما لم يستقر على الأرض أو في الإناء ، وهذا مذهب  سفيان الثوري  فأما عندنا فما دام على العضو الذي استعمله فيه لا يكون مستعملا ، وإذا زايله صار مستعملا وإن لم يستقر على الأرض أو في الإناء ، فإنه ذكر في الأصل إذا مسح رأسه بماء أخذه من لحيته  لم يجزه ، وإن لم يستقر على الأرض أو في الإناء ، وذكر في باب المسح على الخفين أن من مسح على خفيه وبقي في كفه بلل فمسح به رأسه  لا يجزيه ، وعلل بأن هذا ماء قد مسح به مرة أشار إلى صيرورته مستعملا وإن لم يستقر على الأرض أو في الإناء ، وقالوا فيمن توضأ وبقي على رجله لمعة فغسلها ببلل أخذه من عضو آخر : لا يجوز ، وإن لم يوجد الاستقرار على المكان ، فدل على أن المذهب ما قلنا . 
( أما )  سفيان  فقد استدل بمسائل زعم أنها تدل على صحة ما ذهب إليه ( منها ) : إذا توضأ أو اغتسل وبقي على يده لمعة فأخذ البلل منها في الوضوء أو من أي عضو كان في الغسل وغسل اللمعة  يجوز . 
( ومنها ) : إذا توضأ وبقي في كفه بلل فمسح به رأسه  يجوز ، وإن زايل العضو الذي استعمله فيه لعدم الاستقرار في مكان . 
( ومنها ) : إذا مسح أعضاءه بالمنديل وابتل ،  حتى صار كثيرا فاحشا أو تقاطر الماء على ثوب مقدار الكثير الفاحش جازت الصلاة معه ولو أعطي له حكم الاستعمال عند المزايلة لما جازت . 
( ولنا ) أن القياس أن يصير الماء مستعملا بنفس الملاقاة ; لما ذكرنا فيما تقدم أنه وجد سبب صيرورته مستعملا وهو إزالة الحدث أو استعماله على وجه القربة . 
وقد حصل ذلك بمجرد الملاقاة فكان ينبغي أن يؤخذ لكل جزء من العضو جزء من الماء ، إلا أن في ذلك حرجا ، فالشرع أسقط  [ ص: 69 ] اعتبار حالة الاستعمال في عضو واحد حقيقة أو في عضو واحد حكما ، كما في الجنابة ضرورة دفع الحرج ، فإذا زايل العضو زالت الضرورة فيظهر حكم الاستعمال بقضية القياس . 
وقد خرج الجواب عن المسألة الأولى ( وأما ) المسألة الثانية : فقد ذكر الحاكم الجليل  أنها على التفصيل : إن لم يكن استعمله في شيء من أعضائه يجوز ، أما إذا كان استعمله لا يجوز ، والصحيح أنه يجوز وإن استعمله في المغسولات ; لأن فرض الغسل إنما تأدى بماء جرى على عضوه لا بالبلة الباقية ، فلم تكن هذه البلة مستعملة ، بخلاف ما إذا استعمله في المسح على الخف ، ثم مسح به رأسه حيث لا يجوز ; لأن فرض المسح يتأدى بالبلة وتفصيل الحاكم  محمول على هذا ، وما مسح بالمنديل أو تقاطر على الثوب فهو مستعمل ، إلا أنه لا يمنع جواز الصلاة ; لأن الماء المستعمل طاهر عند  محمد  وهو المختار ، وعندهما وإن كان نجسا لكن سقوط اعتبار نجاسته ههنا لمكان الضرورة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					