الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو استأجر لبانا ليضرب له لبنا في ملكه أو فيما في يده لا يستحق الأجرة حتى يجف اللبن وينصبه في قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف ومحمد : حتى يجف أو ينصبه ويشرجه ، ولا خلاف في أنه إذا ضربه ولم يقمه أنه لا يستحق الأجرة ; لأنه ما لم يقلبه عن مكانه فهو أرض .

                                                                                                                                فلا يتناوله اسم اللبن ، والخلاف بينهم يرجع إلى أنه : هل يصير قابضا له بالإقامة أو لا يصير إلا بالتشريج ؟ فعلى قول أبي حنيفة يصير قابضا له بنفس الإقامة ; لأن نفس الإقامة من تمام هذا العمل فيصير اللبن مسلما إليه بها ، وعلى قولهما لا يصير قابضا ما لم يشرج ; لأن تمام العمل به حتى لو هلك قبل النصب في قول أبي حنيفة وقبل التشريج في قولهما فلا أجر له ; لأنه هلك قبل تمام العمل على اختلاف الأصلين ، ولو هلك بعده فله الأجر ; لأن العمل قد تم فصار مسلما إليه لكونه في ملكه أو في يده ، فهلاكه بعد ذلك لا يسقط البدل ، وجه قولهما أن الأمن عن الفساد يقع بالتشريح ; ولهذا جرت العادة بين الناس أن اللبان هو الذي يشرج ليؤمن عليه الفساد ، فكان ذلك من تمام العمل كإخراج الخبز من التنور ، ولأبي حنيفة أن المستأجر له ضرب اللبن ، ولما جف ونصبه فقد وجد ما ينطلق عليه اسم اللبن وهو في يده أو في ملكه فصار قابضا له ، فأما التشريج فعمل زائد لم يلزمه العامل ; بمنزلة النقل من مكان إلى مكان ، فلا يلزمه ذلك ، وإن كان ذلك في غير ملكه ويده لم يستحق الأجرة حتى يسلمه ، وهو أن يخلي الأجير بين اللبن وبين المستأجر ، لكن ذلك بعد ما نصبه عند أبي حنيفة ، وعندهما بعد ما شرجه .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية