وإن كان الاختلاف في جنس الأجر بأن ، فالحكم في التحالف والنكول وإقامة أحدهما البينة ما وصفنا . قال المستأجر : استأجرت هذه الدابة إلى موضع كذا بعشرة دراهم ، وقال الآخر : بدينار
فإن أقاما البينة فالبينة بينة المؤاجر ; لأنها تثبت الأجرة حقا له ، وبينة المستأجر لا تثبت الأجرة حقا له فكانت بينة المؤاجر أولى بالقبول .
ولو اختلفا فقال المؤاجر : أجرتك هذه الدابة إلى القصر بدينار ، وقال المستأجر : إلى الكوفة بعشرة دراهم ، وأقاما البينة فهي إلى الكوفة بدينار ، وخمسة دراهم ; لأن الاختلاف إلى القصر ، وقع في البدل فكانت بينة المؤاجر أولى لما قلنا ، وتثبت الإجارة إلى القصر بدينار ، ثم المستأجر يدعي من القصر إلى الكوفة بخمسة ; لأن القصر نصف الطريق ، والمؤاجر يجحد هذه الإجارة ، فالبينة المثبتة للإجارة أولى من النافية ، وقد روى عن ابن سماعة في رجل أبي يوسف قال : فإني آخذ ببينة رب الدار ; لأنه يدعي فضل أجرة في أحد عشر شهرا ، وقد أقام على ذلك بينة فتقبل بينته ، فأما الشهر الثاني عشر فقد أقر المستأجر للمؤاجر فيه بفضل الأجرة فيما ادعى ، فإن صدقه على ذلك وإلا سقط الفضل بتكذيبه ، ولو استأجر من رجل دارا سنة فاختلفا فأقام المستأجر البينة أنه استأجر أحد عشر شهرا منها بدرهم ، وشهرا بتسعة ، وأقام البينة رب الدار أنه أجرها بعشرة فالقول قول رب الثوب مع يمينه عندنا ، والخياط ضامن قيمة الثوب ، وإن شاء رب الثوب أخذ الثوب ، وأعطاه أجر مثله ، وقال اختلف الخياط ، ورب الثوب فقال رب الثوب : أمرتك أن تقطعه قباء ، وقال الخياط : أمرتني أن أقطعه قميصا ، : القول قول الخياط مع يمينه ، واختلف قول ابن أبي ليلى فقال في موضع مثل قولهما ، وقال في موضع : يتحالفان فإذا حلفا سقط الضمان عن الخياط ، وسقط الأجر ، وجه قول الشافعي أن صاحب الثوب أقر بالإذن بالقطع ، غير أنه يدعي زيادة صفة توجب الضمان ، وتسقط الأجر ، والخياط ينكر ، فكان القول قوله ، ولنا أن الإذن مستفاد من قبل صاحب الثوب فكان القول في صفة الإذن قوله ، ولهذا لو وقع الخلاف في أصل الإذن بالقطع فقال صاحب الثوب : لم آذن بالقطع ، كان القول قوله ، وكذا إذا قال : لم آذن بقطعه قميصا ، وقد خرج الجواب عن قول ابن أبي ليلى ; لأن المأذون فيه قطع القباء لا مطلق القطع ، ولا معنى لأحد قولي ابن أبي ليلى ; لأن التحالف وضع للفسخ ، ولا يمكن الفسخ ههنا فلا يثبت التحالف ; لأن صاحبه يدعي على الخياط الغصب ، والخياط يدعي الأجر وذلك مما لا يثبت فيه التحالف ، وإن كان له تضمين الخياط قيمة الثوب ; لأن صاحب [ ص: 220 ] الثوب لما حلف على دعوى الخياط فقد صار الخياط بقطعه الثوب لا على الصفة المأذون فيها متصرفا في ملك غيره بغير إذنه ، فصار متلفا الثوب عليه فيضمن قيمته ، وإن شاء رب الثوب أخذ الثوب ، وأعطاه أجر مثله ، أما اختيار أخذ الثوب فلأنه أتى بأصل المعقود عليه مع تغير الصفة فكان لصاحب الثوب الرضا به ، وإعطاؤه أجر المثل لا المسمى ; لأنه لم يأت بالمأمور به على الوصف الذي أمر به ، وطريقة أخرى لبعض مشايخنا أن منفعة القباء والقميص متقاربة لأنه يمكن أن ينتفع بالقباء انتفاع القميص بأن يسد وسطه وأزراره ، وإنما يفوت بعض الأغراض ، فقد وجد المعقود عليه مع العيب فيستحق الأجرة حتى قالوا : لو قطعه سراويل لم تجب له الأجرة لاختلاف منفعة القباء والسراويل ، فلم يأت المعقود عليه رأسا قال الشافعي : والرواية بخلاف هذا فإن القدوري هشاما روى أن قال في رجل محمدا : إن صاحبه بالخيار : إن شاء ضمنه مثل شبهه ، والكوز للعامل ، وإن شاء أخذه وأعطاه أجر مثله لا يجاوز ما سمي ، ففي السراويل يجب أن يكون كذلك ، ووجهه ما مر أن العقد وقع على الضرب ، والصناعة صفة له فقد وافق في أصل المعقود عليه ، وخالف في الصفة ، فيثبت للمستعمل الخيار ، وروى دفع إلى رجل شبها ليضرب له طشتا موصوفا فضربه كوزا ، ابن سماعة وبشر عن في رجل أبي يوسف ، وقال المأمور : أمرتني بالذي نزعت فإن أمر رجلا أن ينزع له ضرسا متآكلا فنزع ضرسا متآكلا فقال الآمر : أمرتك بغير هذا بهذا الأجر قال في ذلك : القول قول الآمر مع يمينه لما بينا أن الأمر يستفاد من قبله خاصة ، فكان القول في المأمور به قوله ، وذكر في الأصل في رجل أبا حنيفة ، فإن قامت لهما بينة أخذت بينة الصباغ ، وإن لم يقم لهما بينة فإني أنظر إلى ما زاد العصفر في قيمة الثوب فإن كان درهما أو أكثر أعطيته درهما بعد أن يحلف الصباغ ما صبغته بدانقين ، وإن كان ما زاد في الثوب من العصفر أقل من دانقين أعطيته دانقين بعد أن يحلف صاحب الثوب ما صبغته إلا بدانقين ، أما إذا قامت لهما بينة فلأن بينة الصباغ تثبت زيادة الأجرة فكانت أولى بالقبول . دفع إلى صباغ ثوبا ليصبغه أحمر فصبغه أحمر على ما وصف له بالعصفر ثم اختلفا في الأجر ، فقال الصباغ : عملته بدرهم ، وقال رب الثوب : بدانقين
وأما إذا لم تقم لهما بينة فلأن ما زاد العصفر في قيمة الثوب إذا كان درهما أو أكثر كان الظاهر شاهدا للصباغ ، إلا أنه لا يزاد على درهم ; لأنه رضي بسقوط الزيادة ، وإذا كان ما زاد العصفر دانقين كان الظاهر شاهدا لرب الثوب ، إلا أنه لا ينقص من دانقين ; لأنه رضي بذلك وإن كان يزيد في الثوب نصف درهم قال : أعطيت الصباغ ذلك بعد أن يحلف ما صبغته بدانقين ; لما ذكرنا أن الدعوى إذا سقطت للتعارض بحكم الصبغ فوجب قيمة الصبغ ، وهذا بخلاف إن القول قول رب الثوب مع يمينه ; لأنه ليس في الثوب عين مال قائم للقصار ، فلم يوجد ما يصلح حكما فيرجع إلى قول صاحب الثوب ; لأن القصار يدعي عليه زيادة ضمان ، وهو ينكر ، فكان القول قوله مع يمينه ، وكذلك كل صبغ له قيمة فإن كان الصبغ أسود فالقول قول رب الثوب مع يمينه على أصل القصار مع رب الثوب إذا اختلفا في مقدار الأجرة ، ولا بينة لهما أن السواد نقصان عنده ، وكذلك كل صبغ ينقص الثوب ; لأنه تعذر القضاء بالدعوى للتعارض ، ولا سبيل إلى الرجوع إلى قيمة الصبغ ; لأنه لا قيمة له ، فيرجع إلى قول المستحق عليه ، ولو اختلف الصباغ ورب الثوب فقال رب الثوب : أمرتك بالعصفر ، وقال الصباغ : بالزعفران ، فالقول قول رب الثوب في قولهم جميعا ; لأن الأمر يستفاد من قبله ، ومن هذا النوع ما أبي حنيفة فقال في الأصل في رجل إذا أمر المستعمل الصانع بالزيادة من عنده ثم اختلفا فالقول قول رب الغزل مع يمينه على عمله ; لأن الصانع يدعي على صاحب الثوب الضمان وهو ينكر ، فكان القول قول المنكر مع يمينه على عمله ; لأنه يمين على فعل الغير ، فإن حلف برئ ، وإن نكل عن اليمين لزمه مثل الغزل ; لأن النكول حجة يقضى بها في هذا الباب فإن أقام الصانع بينة قبلت بينته ، ولو اتفقا أن غزل المستعمل كان منا ، وقال الصانع : قد زدت فيه رطلا فوزن الثوب فوجد زائدا على ما دفع إليه زيادة لم يعلم أن مثلها يكون من الدقيق ، وادعى رب الثوب أن الزيادة من الدقيق ، فالقول قول الصانع ; لأن رب الثوب يدعي [ ص: 221 ] خلاف الظاهر ، وإن كان الثوب مستهلكا قبل أن يعلم وزنه ، ولم يقر المستعمل أن فيه ما قال الصانع ، فالقول قول رب الثوب ; لأن الصانع يدعي عليه الضمان ، ولا ظاهر ههنا يشهد له فلم يقبل قوله ، وقال دفع غزلا إلى حائك ينسجه ثوبا وأمره أن يزيد في الغزل رطلا من عنده مثل غزله على أن يعطيه ثمن الغزل وأجرة الثوب دراهم مسماة ، فاختلفا بعد الفراغ من الثوب ، فقال الحائك : قد زدت ، وقال رب الثوب : لم تزد هشام عن في رجل محمد قال دفع إلى صائغ عشرة دراهم فضة ، وقال : زد عليها درهمين قرضا علي فصغه قلبا ، وأجرك درهم فصاغه وجاء به محشوا فاختلفا ، فقال الصائغ : قد زدت عليه درهمين ، وقال رب القلب : لم تزد شيئا : يتحالفان ثم الصائغ بالخيار إن شاء دفع القلب ، وأخذ منه أجرة خمسة دوانيق ، وإن شاء دفع إليه عشرة دراهم فضة ، وأخذ القلب ، أما التحالف فلأن الصائغ يدعي على صاحب القلب القرض ، وهو ينكر فيستحلف ، وصاحب القلب يدعي على الصائغ استحقاق القلب بغير شيء ، وهو ينكر ، فيستحلف ، وإذا بطل دعوى الصائغ في القلب علم أن الوزن عشرة وإنما بذل صاحب القلب للصائغ درهما لصياغته اثني عشر درهما ، فإذا لم تثبت الزيادة تلزمه للعشرة خمسة دوانيق ، وإنما كان للصائغ أن يحبس القلب ، ويعطي صاحب القلب مثل فضته ; لأن عنده أن الزيادة ثابتة ، وأنه يتقرر ببطلان حقه عليها من غير عوض القرض ، فلا يجوز استحقاقها من غير رضاه ، ولا ضرر على صاحب القلب ; لأنه وصل إليه مثل حقه ، وقال محمد عن ابن سماعة في رجل دفع إلى نداف ثوبا ، وقطنا يندف عليه ، وأمره أن يزيد من عنده ما رأى ، ثم إن صاحب الثوب أتاه وقد ندف على الثوب عشرين أستارا من قطن ، فاختلفا ، فقال صاحب الثوب : دفعت إليك خمسة عشر أستارا من قطن ، وأمرتك أن تزيد عليه عشرة وتنقص إن رأيت فلم تزد إلا خمسة أساتير ، وقال النداف : دفعت إلي عشرة وأمرتني أن أزيد عشرة فزدتها ، فالقول قول النداف ، وعلى صاحب الثوب أن يدفع إليه عشرة أساتير من قطن كما ادعى ; لأن صاحب الثوب لا يدعي على النداف مخالفة ما أمره به ، وإنما يدعي أنه دفع إليه خمسة عشر أستارا ، فكان القول قول النداف في مقداره فتبقى العشرة زيادة فيضمنها صاحب الثوب ، وإن كان صاحب الثوب قال : دفعت إليك خمسة عشر ، وأمرتك أن تزيد عليه خمسة عشر ، وقال النداف : دفعت إلي عشرة وأمرتني أن أزيد عليه عشرة فزدت عليه عشرة ، فصاحب الثوب في هذا بالخيار : إن شاء صدقه ودفع إليه عشرة أساتير وأخذ ثوبه وإن شاء أخذ قيمة ثوبه ، ومثل عشرة أساتير قطن ، وكان الثوب للنداف ; لأن النداف يزعم أنه فعل ما أمره به ، وصاحب الثوب يدعي الخلاف ، فكان القول قوله فيما أمر به ، والقول قول النداف في مقدار ما قبض ، وقال محمد بشر عن في رجل أعطى رجلا ثوبا ليقطعه قباء محشوا ، ودفع إليه البطانة ، والقطن فقطعه وخاطه ، وحشاه ، واتفقا على العمل ، والأجرة : فإن الثوب ثوب رب الثوب والقطن قطنه ، غير أن رب الثوب إن قال : إن البطانة ليست بطانتي ، فالقول في ذلك قول الخياط مع يمينه ألبتة أن هذا بطانته ، ويلزم رب الثوب ، ويسع رب الثوب أن يأخذ البطانة فيلبسها لأن البطانة أمانة في يد الخياط ، فكان القول قوله فيها ثم إن كانت بطانة صاحب الثوب ; حل له لبسها ، وإن كانت غيرها فقد رضي الخياط بدفعها إليه بدل بطانته ; فحل له لبسها ، وروى أبي يوسف بشر عن وابن سماعة أبي يوسف ، فالقول قول الحمال مع يمينه ، ولا ضمان عليه ، ولا يلزم الآمر الأجر إلا أن يصدقه ، ويأخذه ; لأن المتاع أمانة في يد الحمال فكان القول قوله ، ولا يلزم صاحب المتاع ; لأنه لم يعترف باستيفاء المنافع ، فإن صدقه فقد رجع عن قوله فوجب عليه الأجر ، قال : والنوع الواحد والنوعان في هذا سواء ، إلا أنه في النوع الواحد أفحش وأقبح يريد بهذا لو حمله طعاما أو زيتا ، وقال : الأجير هذا طعامك بعينه ، وقال رب الطعام : كان طعامي أجود من هذا ، فإن هذا يفحش أن يكون القول فيه قول رب الطعام ، ويبطل الأجر ، ويحسن أن يكون القول قول الحمال ، ويأخذ الأجر إن كان قد حمله ، فأما إذا كانا نوعين مختلفين بأن جاء بشعير وقال رب الطعام : كان طعامي حنطة فلا أجر للحمال حتى يصدقه ويأخذه ، وإنما قال : يقبح في الجنس الواحد ; لأن عند اتحاد الجنس يملك صاحب الطعام أن يأخذ الشعير عوضا عن طعامه ; لأن الحمال قد بذل له ذلك فإذا أخذ العوض سلمت له المنفعة فأما في النوعين فلا يسعه أن يأخذ النوع الآخر إلا بالتراضي بالبيع ، فما لم يصدقه لا يستحق عليه الأجر ، فيمن أعطى حمالا متاعا ليحمله من موضع بأجر معلوم ، فحمله ثم اختلفا ، فقال رب المتاع : ليس هذا متاعي ، وقال الحمال : هو متاعك كالنساج والقصار ، والخفاف [ ص: 222 ] والصباغ فقال رب الثوب والخف : عملته لي بغير شرط ، وقال الصانع : لا ; بل عملته بأجرة درهم ، أو اختلف رب الدار مع المستأجر فقال رب الدار : أجرتها منك بدرهم ، وقال الساكن بل سكنتها عارية ، فالقول قول صاحب الثوب ، والخف ، وساكن الدار في قول ولو اختلف الصانع والمستأجر في أصل الأجر مع يمينه ، ولا أجر عليه ، وقال أبي حنيفة : إن كان الرجل حرا ثقة فعليه الأجر ، وإلا فلا ، وقال أبو يوسف : إن كان الرجل انتصب للعمل فالقول قوله ، وإن لم يكن انتصب للعمل فالقول قول صاحبه ، وعلى هذا الخلاف إذا اتفقا على أنهما لم يشترطا الأجر لكن الصانع قال : إني إنما عملت بالأجر ، وقال رب الثوب : ما شرطت لك شيئا ، فلا يستحق شيئا . محمد
( وجه ) قولهما اعتبار العرف والعادة فإن انتصابه للعمل ، وفتحه الدكان لذلك دليل على أنه لا يعمل إلا بالأجرة ، وكذا إذا كان حريفه فكان العقد موجودا دلالة ، والثابت دلالة كالثابت نصا .
أن المنافع على أصلنا لا تتقوم إلا بالعقد ، ولم يوجد ، أما إذا اتفقا على أنهما لم يشترطا الأجر فظاهر ، وكذا إذا اختلفا في الشرط ; لأن العقد لا يثبت مع الاختلاف للتعارض فلا تجب الأجرة ، ثم إن كان في المصنوع عين قائمة للصانع كالصبغ الذي يزيد ، والنعل يغرم رب الثوب والخف للصانع ما زاد الصبغ والنعل فيه لا يجاوز به درهما ، وإلا فلا والله - عز وجل - أعلم . ولأبي حنيفة