( فصل ) :
وأما بيان فالمحل الذي يجب فيه الأذان ويؤذن له الصلوات المكتوبة التي تؤدى بجماعة مستحبة في حال الإقامة ، فلا أذان ولا إقامة في صلاة الجنازة ; لأنها ليست بصلاة على الحقيقة لوجود بعض ما يتركب منه الصلاة وهو القيام ، إذ لا قراءة فيها ولا ركوع ولا سجود ولا قعود ، فلم تكن صلاة على الحقيقة ، ولا أذان ولا إقامة في النوافل ; لأن الأذان للإعلام بدخول وقت الصلاة ، والمكتوبات هي المختصة بأوقات معينة دون النوافل ; ولأن النوافل تابعة للفرائض فجعل أذان الأصل أذانا للتبع تقديرا ، ولا أذان ، ولا إقامة في السنن لما قلنا ، ولا أذان ، ولا إقامة في الوتر ; لأنه سنة عندهما فكان تبعا للعشاء ، فكان تبعا لها في الأذان كسائر السنن . محل وجوب الأذان
وعند واجب ، والواجب غير المكتوبة والأذان من خواص المكتوبات ، ولا أذان ولا إقامة في صلاة العيدين ، وصلاة الكسوف والخسوف والاستسقاء ; لأنها ليست بمكتوبة ، ولا أذان ولا إقامة في جماعة النسوان والصبيان والعبيد ; لأن هذه الجماعة غير مستحبة . أبي حنيفة
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } ; ولأنه ليس عليهن الجماعة فلا يكون عليهن الأذان والإقامة ، والجمعة فيها أذان وإقامة ; لأنها مكتوبة تؤدى بجماعة مستحبة ; ولأن فرض الوقت هو الظهر عند بعض أصحابنا ، والجمعة قائمة مقامه ، وعند بعضهم : الفرض هو الجمعة ابتداء وهي آكد من الظهر ، حتى وجب ترك الظهر لأجلها ، ثم إنهما وجبا لإقامة الظهر ، فالجمعة أحق ، ثم ليس على النساء أذان ولا إقامة هو ما يؤتى به إذا صعد الإمام المنبر ، وتجب الإجابة والاستماع له دون الذي يؤتى به على المنارة ، وهذا قول عامة العلماء ، وكان الأذان المعتبر يوم الجمعة يقول : المعتبر هو الأذان على المنارة ; لأن الإعلام يقع به ، والصحيح قول العامة لما روي عن الحسن بن زياد السائب بن زيد أنه قال : { أبي بكر رضي الله عنهما أذانا واحدا حين يجلس الإمام على المنبر ، فلما كانت خلافة وعمر رضي الله عنه وكثر الناس أمر عثمان رضي الله عنه بالأذان الثاني على عثمان الزوراء ، } وهي المنارة ، وقيل : اسم موضع كان الأذان يوم الجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد بالمدينة ، وصلاة العصر بعرفة تؤدى مع الظهر في وقت الظهر بأذان واحد ، ولا يراعى للعصر أذان على حدة ، لأنها شرعت في وقت الظهر في هذا اليوم فكان أذان الظهر وإقامته عنهما جميعا ، وكذلك صلاة المغرب مع العشاء بمزدلفة يكتفى فيهما بأذان واحد لما ذكرنا ، إلا أن في الجمع الأول يكتفى بأذان واحد لكن بإقامتين ، وفي الثاني يكتفى بأذان واحد وإقامة واحدة عند أصحابنا الثلاثة ، وعند بأذان واحد وإقامتين كما في الجمع الأول ، وعند زفر بأذانين وإقامة واحدة لما يذكر في كتاب المناسك - إن شاء الله تعالى - . الشافعي
ولو صلى الرجل في بيته وحده ، ذكر في الأصل إذا أجزأه ، وإن أقام فهو حسن ; لأنه إن عجز عن تحقق الجماعة بنفسه فلم يعجز عن التشبه ، فيندب إلى أن يؤدي الصلاة على هيئة الصلاة بالجماعة ، ولهذا كان الأفضل أن يجهر بالقراءة في صلوات الجهر ، وإن ترك ذلك واكتفى بأذان الناس وإقامتهم أجزأه ، لما روي أن صلى الرجل في بيته واكتفى بأذان الناس وإقامتهم صلى عبد الله بن مسعود بعلقمة والأسود بغير أذان ولا إقامة وقال : يكفينا أذان الحي وإقامتهم ، .
أشار إلى أن أذان الحي وإقامتهم وقع لكل واحد من أهل الحي ألا ترى أن على كل واحد منهم أن يحضر مسجد الحي ، وروى ابن أبي مالك عن عن أبي يوسف في أبي حنيفة أجزأهم . قوم صلوا في [ ص: 153 ] المصر في منزل أو في مسجد منزل ، فأخبروا بأذان الناس وإقامتهم -
وقد أساءوا بتركهما ، فقد فرق بين الجماعة والواحد ; لأن أذان الحي يكون أذانا للأفراد ولا يكون أذانا للجماعة ، هذا في المقيمين وأما المسافرون فالأفضل لهم أن يؤذنوا ويقيموا ، ويصلوا جماعة ; لأن الأذان والإقامة من لوازم الجماعة المستحبة ، والسفر لم يسقط الجماعة فلا يسقط ما هو من لوازمها ، فإن صلوا بجماعة وأقاموا وتركوا الأذان - أجزأهم ولا يكره ، ويكره لهم ترك الإقامة بخلاف أهل المصر إذا تركوا الأذان وأقاموا أنه يكره لهم ذلك ; لأن السفر سبب الرخصة .
وقد أثر في سقوط شطر فجاز أن يؤثر في سقوط أحد الأذانين ، إلا أن الإقامة آكد ثبوتا فيسقط شطر الأذان دون الإقامة ، وأصله ما روي عن رضي الله عنه أنه قال : المسافر بالخيار إن شاء أذن ، وأقام ، وإن شاء أقام ولم يؤذن ، ولم يوجد في حق أهل المصر سبب الرخصة ، ولأن الأذان للإعلام بهجوم وقت الصلاة ليحضروا ، والقوم في السفر حاضرون فلم يكره تركه لحصول المقصود بدونه ، بخلاف الحضر ; لأن الناس لتفرقهم واشتغالهم بأنواع الحرف والمكاسب لا يعرفون بهجوم الوقت ، فيكره ترك الإعلام - في حقهم - بالأذان ، بخلاف الإقامة فإنها للإعلام بالشروع في الصلاة ، وذا لا يختلف في حق المقيمين والمسافرين وأما المسافر إذا كان وحده فإن ترك الأذان فلا بأس به ، وإن ترك الإقامة يكره ، والمقيم إذا كان يصلي في بيته وحده فترك الأذان والإقامة لا يكره ( والفرق ) أن أذان أهل المحلة يقع أذانا لكل واحد من أهل المحلة ، فكأنه وجد الأذان منه في حق نفسه تقديرا ، فأما في السفر فلم يوجد الأذان والإقامة للمسافر من غيره ، غير أنه سقط الأذان في حقه رخصة وتيسيرا فلا بد من الإقامة ، ولو صلى في مسجد بأذان وإقامة هل يكره أن يؤذن ويقام فيه ثانيا ؟ فهذا لا يخلو من أحد وجهين : إما أن كان علي : فإن كان له أهل معلوم : فإن صلى فيه غير أهله بأذان وإقامة لا يكره لأهله أن يعيدوا الأذان والإقامة ، وإن صلى فيه أهله بأذان وإقامة ، أو بعض أهله يكره لغير أهله وللباقين من أهله أن يعيدوا الأذان والإقامة ، وعند مسجدا له أهل معلوم ، أو لم يكن لا يكره وإن كان مسجدا ليس له أهل معلوم بأن كان على شوارع الطريق - لا يكره تكرار الأذان والإقامة فيه ، وهذه المسألة بناء على مسألة أخرى وهي أن الشافعي هل يكره ؟ فهو على ما ذكرنا من التفصيل والاختلاف . تكرار الجماعة في مسجد واحد
وروي عن أنه إنما يكره إذا كانت الجماعة الثانية كثيرة ، فأما إذا كانوا ثلاثة ، أو أربعة فقاموا في زاوية من زوايا المسجد وصلوا بجماعة لا يكره . أبي يوسف
وروي عن أنه إنما يكره إذا كانت الثانية على سبيل التداعي والاجتماع ، فأما إذا لم يكن فلا يكره . محمد
( احتج ) بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { الشافعي أبو بكر رضي الله عنه : أنا يا رسول الله ، فقام وصلى معه ، } وهذا أمر بتكرار الجماعة ، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمر بالمكروه ; ولأن قضاء حق المسجد واجب كما يجب قضاء حق الجماعة ، حتى أن الناس لو صلوا بجماعة في البيوت وعطلوا المساجد أثموا وخوصموا يوم القيامة بتركهم قضاء حق المسجد ، ولو صلوا فرادى في المساجد أثموا بتركهم الجماعة ، والقوم الآخرون ما قضوا حق المسجد فيجب عليهم قضاء حقه بإقامة الجماعة فيه ، ولا يكره ، والدليل عليه أنه لا يكره في مساجد قوارع الطرق ، كذا هذا . صلى بجماعة في المسجد ، فلما فرغ من صلاته دخل رجل وأراد أن يصلي وحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يتصدق على هذا الرجل فقال
( ولنا ) ما روى عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من بيته ليصلح بين الأنصار لتشاجر بينهم فرجع وقد صلى في المسجد بجماعة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل بعض أهله فجمع أهله فصلى بهم جماعة ، ولو لم يكره تكرار الجماعة في المسجد لما تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمه بفضل الجماعة في المسجد .
وروي عن رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا فاتتهم الجماعة صلوا في المسجد فرادى ; ولأن التكرار يؤدي إلى تقليل الجماعة ; لأن الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة فيستعجلون فتكثر الجماعة ، وإذا علموا أنها لا تفوتهم يتأخرون فتقل الجماعة ، وتقليل الجماعة مكروه ، بخلاف المساجد التي على قوارع الطرق ; لأنها ليست لها أهل معروفون ، فأداء الجماعة فيها مرة بعد أخرى لا يؤدي إلى تقليل الجماعات ، وبخلاف ما إذا صلى فيه غير أهله ; لأنه لا يؤدي إلى تقليل الجماعة ; لأن أهل [ ص: 154 ] المسجد ينتظرون أذان المؤذن المعروف فيحضرون حينئذ ; ولأن حق المسجد لم يقض بعد ; لأن قضاء حقه على أهله ألا ترى أن المرمة ونصب الإمام والمؤذن عليهم فكان عليهم قضاؤه ؟ ولا عبرة بتقليل الجماعة الأولين ; لأن ذلك مضاف إليهم حيث لم ينتظروا حضور أهل المسجد بخلاف أهل المسجد ; لأن انتظارهم ليس بواجب عليهم ولا حجة له في الحديث ; لأنه أمر واحدا وذا لا يكره ، وإنما المكروه ما كان على سبيل التداعي والاجتماع ، بل هو حجة عليه ; لأنه لم يأمر أكثر من الواحد مع حاجتهم إلى إحراز الثواب ، وما ذكر من المعنى غير سديد ; لأن قضاء حق المسجد على وجه يؤدي إلى تقليل الجماعة مكروه ، ويستوي في وجوب مراعاة الأذان والإقامة الأداء والقضاء ، وجملة الكلام فيه أنه لا يخلو : إما أن كانت الفائتة من الصلوات الخمس . أنس بن مالك
وأما إن كانت صلاة الجمعة فإن كانت من الصلوات الخمس فإن فاته صلاة واحدة قضاها بأذان وإقامة ، وكذا إذا فاتت الجماعة صلاة واحدة قضوها بالجماعة بأذان وإقامة ، قولان : في قول : يصلي بغير أذان وإقامة ، وفي قول : يصلي بالإقامة لا غير . وللشافعي
( احتج ) بما روي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شغل عن أربع صلوات يوم الأحزاب قضاهن بغير أذان ولا إقامة .
وروي في قصة ليلة التعريس أن النبي صلى الله عليه وسلم ارتحل من ذلك الوادي ، فلما ارتفعت الشمس أمر فأقام وصلوا ولم يأمره بالأذان ، ولأن الأذان للإعلام بدخول الوقت ولا حاجة ههنا إلى الإعلام به . بلالا
( ولنا ) ما روى رضي الله عنه في حديث ليلة التعريس فقال : { أبو قتادة الأنصاري بأن يؤذن فأذن وصلينا ركعتين ثم أقام فصلينا صلاة الفجر بلالا } ، وهكذا روى كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ، أو سرية فلما كان في آخر السحر عرسنا فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس ، فجعل الرجل منا يثب دهشا وفزعا ، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ارتحلوا من هذا الوادي فإنه وادي شيطان ، فارتحلنا ونزلنا بواد آخر ، فلما ارتفعت الشمس وقضى القوم حوائجهم أمر هذه القصة ، وروى أصحاب الإملاء عن عمران بن حصين بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حين شغلهم الكفار يوم الأحزاب عن أربع صلوات قضاهن فأمر أبي يوسف أن يؤذن ويقيم لكل واحدة منهن ، حتى قالوا : أذن وأقام وصلى الظهر ، ثم أذن وأقام وصلى العصر ، ثم أذن وأقام وصلى المغرب ، ثم أذن وأقام وصلى العشاء ، ولأن القضاء على حسب الأداء . بلالا
وقد فاتتهم الصلاة بأذان وإقامة فتقضى كذلك ، ولا تعلق له بحديث التعريس والأحزاب ; لأن الصحيح أنه أذن هناك وأقام على ما روينا .
وأما إذا فاتته صلوات فإن أذن لكل واحدة وأقام فحسن ، وإن أذن وأقام للأولى واقتصر على الإقامة للبواقي فهو جائز .
وقد اختلفت الروايات في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات التي فاتته يوم الخندق : في بعضها أنه أمر فأذن وأقام لكل صلاة على ما روينا ، وفي بعضها أنه أذن وأقام للأولى ، ثم أقام لكل صلاة بعدها ، وفي بعضها أنه اقتصر على الإقامة لكل صلاة ، ولا شك أن الأخذ برواية الزيادة أولى ، خصوصا في باب العبادات بلالا صلى الظهر بغير أذان ولا إقامة ; لأن الأذان والإقامة للصلاة التي تؤدى بجماعة مستحبة ، وأداء الظهر بجماعة يوم الجمعة مكروه في المصر ، كذا روي عن وإن فاتته صلاة الجمعة رضي الله عنه . علي