الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) بيان أن المسح على الجبائر هل هو واجب أم لا ؟ فقد ذكر محمد في كتاب الصلاة عن أبي حنيفة أنه إذا ترك المسح على الجبائر ، وذلك يضره أجزأه وقال أبو يوسف ، ومحمد : إذا كان ذلك لا يضره لم يجز ، فخرج جواب أبي حنيفة في صورة ، وخرج جوابهما في صورة أخرى ، فلم يتبين الخلاف .

                                                                                                                                ولا خلاف في أنه إذا كان المسح على الجبائر يضره أنه يسقط عنه المسح ; لأن الغسل يسقط بالعذر ، فالمسح أولى وأما إذا كان لا يضره فقد حقق بعض مشايخنا الاختلاف ، فقال على قول أبي حنيفة : المسح على الجبائر مستحب ، وليس بواجب ، وهكذا ذكر قول أبي حنيفة في اختلاف زفر ، ويعقوب ، وعندهما واجب ، وحجتهما ما روينا عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمر عليا رضي الله عنه [ ص: 14 ] بالمسح على الجبائر بقوله : امسح عليها } ، ومطلق الأمر للوجوب ، ولأبي حنيفة أن الفرضية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به .

                                                                                                                                وحديث علي رضي الله عنه من أخبار الآحاد ، فلا تثبت الفرضية به وقال بعض مشايخنا : إذا كان المسح لا يضره يجب بلا خلاف ويمكن التوفيق بين حكاية القولين ، وهو أن من قال : " إن المسح على الجبائر ليس بواجب عند أبي حنيفة " عنى به أنه ليس بفرض عنده لما ذكرنا أن المفروض اسم لما ثبت وجوبه بدليل مقطوع به ، ووجوب المسح على الجبائر ثبت بحديث علي رضي الله عنه وأنه من الآحاد فيوجب العمل دون العلم .

                                                                                                                                ومن قال إن المسح على الجبائر واجب عندهما فإنما عنى به وجوب العمل لا الفرضية ، وعلى هذا لا يتحقق الخلاف لأنهما يقولان بفرضية المسح على الجبائر لانعدام دليل الفرضية ، بل بوجوبه من حيث العمل ; لأن مطلق الأمر يحمل على الوجوب في حق العمل ، وإنما الفرضية تثبت بدليل زائد ، وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول بوجوبه في حق العمل ، والجواز ، وعدم الجواز يكون مبنيا على الوجوب ، وعدم الوجوب في حق العمل ، ولو ترك المسح على بعض الجبائر ، ومسح على البعض لم يذكر هذا في ظاهر الرواية .

                                                                                                                                وعن الحسن بن زياد أنه قال : إن مسح على الأكثر جاز ، وإلا فلا ، بخلاف مسح الرأس ، والمسح على الخفين أنه لا يشترط فيهما الأكثر لأن هناك ورد الشرع بالتقدير ، فلا تشترط الزيادة على المقدر ، وههنا لا تقدير من الشرع بل ورد بالمسح على الجبائر ، فظاهره يقتضي الاستيعاب ، إلا أن ذلك لا يخلو عن ضرب حرج فأقيم الأكثر مقام الجميع ، والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية