الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما سننها فكثيرة ، بعضها صلاة بنفسه ، وبعضها من لواحق الصلاة .

                                                                                                                                أما الذي هو الصلاة بنفسه فالسنن [ ص: 199 ] المعهودة التي يؤدي بعضها قبل المكتوبة وبعضها بعد المكتوبة ولها فصل منفرد نذكرها فيه بعلائقها .

                                                                                                                                وأما الذي هو من لواحق الصلاة فثلاثة أنواع : نوع يؤتى به عند الشروع في الصلاة ، ونوع يؤتى به بعد الشروع في الصلاة ، ونوع يؤتى به عند الخروج من الصلاة .

                                                                                                                                أما الذي يؤتى به عند الشروع في الصلاة فسنن الافتتاح وهي أنواع ، منها أن تكون النية مقارنة للتكبير ; لأن اشتراط النية لإخلاص العمل لله تعالى ، وقران النية أقرب إلى تحقيق معنى الإخلاص فكان أفضل وهذا عندنا ، وعند الشافعي فرض والمسألة قد مرت .

                                                                                                                                ( ومنها ) أن يتكلم بلسانه ما نواه بقلبه ولم يذكره في كتاب الصلاة نصا ولكنه أشار إليه في كتاب الحج فقال : وإذا أردت أن تحرم بالحج إن شاء الله فقل اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني ، فكذا في باب الصلاة ينبغي أن يقول : اللهم إني أريد صلاة كذا فيسرها لي وتقبلها مني ; لأن هذا سؤال التوفيق من الله تعالى للأداء والقبول بعده فيكون مسنونا .

                                                                                                                                ( ومنها ) حذف التكبير لما روي عن إبراهيم النخعي موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { الأذان جزم ، والإقامة جزم ، والتكبير جزم } ولأن إدخال المد في ابتداء اسم الله تعالى يكون للاستفهام والاستفهام يكون للشك والشك في كبرياء الله تعالى كفر ، وقوله أكبر لا مد فيه ; لأنه على وزن أفعل ، وأفعل لا يحتمل المد لغة ، ومنها رفع اليدين عند تكبيرة الافتتاح والكلام فيه يقع في مواضع في أصل الرفع ، وفي وقته ، وفي كيفيته ، وفي محله .

                                                                                                                                أما أصل الرفع فلما روي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما موقوفا عليهما ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن } وذكر من جملتها تكبيرة الافتتاح ، وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه كان في عشرة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : هات ، فقال : رأيته إذا كبر عند فاتحة الصلاة رفع يديه وعلى هذا إجماع السلف .

                                                                                                                                وأما وقته فوقت التكبير مقارنا له ; لأنه سنة .

                                                                                                                                التكبير شرع لإعلام الأصم الشروع في الصلاة ولا يحصل هذا المقصود إلا بالقران .

                                                                                                                                وأما كيفيته فلم يذكر في ظاهر الرواية ، وذكر الطحاوي أنه يرفع يديه ناشرا أصابعه مستقبلا بهما القبلة ، فمنهم من قال : أراد بالنشر تفريج الأصابع ، وليس كذلك بل أراد أن يرفعهما مفتوحتين لا مضمومتين حين تكون الأصابع نحو القبلة ، وعن الفقيه أبي جعفر الهندواني أنه لا يفرج كل التفريج ولا يضم كل الضم بل يتركهما على ما عليه الأصابع في العادة بين الضم والتفريج .

                                                                                                                                وأما محله فقد ذكر في ظاهر الرواية أنه يرفع يديه حذاء أذنيه وفسره الحسن بن زياد في المجرد فقال : قال : أبو حنيفة يرفع حتى يحاذي بإبهاميه شحمة أذنيه وكذلك في كل موضع ترفع فيه الأيدي عند التكبير ، وقال الشافعي : يرفع حذو منكبيه ، وقال مالك : حذاء رأسه احتج الشافعي بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان { إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه } .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روى أبو يوسف في الأمالي بإسناده عن البراء بن عازب أنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حذاء أذنيه } ولأن هذا الرفع شرع لإعلام الأصم الشروع في الصلاة ولهذا لم يرفع في تكبيرة هي علم للانتقال عندنا ; لأن الأصم يرى الانتقال فلا حاجة إلى رفع اليدين وهذا المقصود إنما يحصل إذا رفع يديه إلى أذنيه .

                                                                                                                                وأما الحديث فالتوفيق عند تعارض الأخبار واجب فما روي محمول على حالة العذر حين كانت عليهم الأكسية والبرانس في زمن الشتاء فكان يتعذر عليهم الرفع إلى الأذنين يدل عليه ما روى وائل بن حجر أنه قال : قدمت المدينة فوجدتهم يرفعون أيديهم إلى الآذان ثم قدمت عليهم من القابل وعليهم الأكسية والبرانس من شدة البرد فوجدتهم يرفعون أيديهم إلى المناكب ، أو نقول : المراد بما روينا رءوس الأصابع ، وبما روي الأكف والأرساغ عملا بالدلائل بقدر الإمكان .

                                                                                                                                وهذا حكم الرجل فأما المرأة فلم يذكر حكمها في ظاهر الرواية .

                                                                                                                                وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها ترفع يديها حذاء أذنيها كالرجل سواء ; لأن كفيها ليسا بعورة ، وروى محمد بن مقاتل الرازي عن أصحابنا أنها ترفع يديها حذو منكبيها لأن ذلك أستر لها وبناء أمرهن على الستر ألا ترى أن الرجل يعتدل في سجوده ويبسط ظهره في ركوعه والمرأة تفعل كأستر ما يكون لها ؟ .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية