وإذا اطمأن راكعا رفع رأسه وقال : سمع الله لمن حمده ولم يرفع يديه فيحتاج فيه إلى بيان المفروض والمسنون .
أما المفروض فقد ذكرناه وهو لما بينا أنه وسيلة إلى الركن ، فأما رفع الرأس وعوده إلى القيام فهو تعديل الانتقال وإنه ليس بفرض عند الانتقال من الركوع إلى السجود أبي حنيفة بل هو واجب أو سنة عندهما وعند ومحمد أبي يوسف فرض على ما مر . والشافعي
وأما سنن هذا الانتقال فمنها أن يأتي بالذكر ; لأن الانتقال فرض فكان الذكر فيه مسنونا واختلفوا في ماهية الذكر ، والجملة فيه أن المصلي لا يخلو إما أن كان إماما أو مقتديا أو منفردا ، فإن كان إماما يقول سمع الله لمن حمده ولا يقول ربنا لك الحمد في قول ، وقال أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد : يجمع بين التسميع والتحميد . والشافعي
وروي عن مثل قولهما ، احتجوا بما روي عن أبي حنيفة رضي الله عنها أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم { عائشة إذا رفع رأسه من الركوع قال : سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد } وغالب أحواله كان هو الإمام ، وكذا روى رضي الله عنه ; ولأن الإمام منفرد في حق نفسه والمنفرد يجمع بين هذين الذكرين فكذا الإمام ، ولأن التسميع تحريض على التحميد فلا ينبغي أن يأمر غيره بالبر وينسى نفسه كي لا يدخل تحت قوله تعالى { أبو هريرة أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب } واحتج بما روى أبو حنيفة أبو موسى الأشعري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { وأبو هريرة } قسم التحميد والتسميع بين الإمام والقوم فجعل التحميد لهم والتسميع له ، وفي الجمع بين الذكرين من أحد الجانبين إبطال هذه القسمة وهذا لا يجوز ، وكان ينبغي أن لا يجوز للإمام التأمين أيضا بقضية هذا الحديث ، وإنما عرفنا ذلك لما روينا من الحديث ، ولأن إتيان التحميد من الإمام يؤدي إلى جعل التابع متبوعا والمتبوع تابعا وهذا لا يجوز ، بيان ذلك أن الذكر يقارن الانتقال فإذا قال الإمام مقارنا للانتقال سمع الله لمن حمده يقول المقتدي مقارنا له : ربنا لك الحمد ، فلو قال الإمام بعد ذلك لوقع قوله بعد قول المقتدي فينقلب المتبوع تابعا والتابع متبوعا ، ومراعاة التبعية في جميع أجزاء الصلاة واجبة بقدر الإمكان ، وحديث : إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا ، وإذا قال ولا الضالين فقولوا آمين ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد رضي الله عنها محمول على حالة الانفراد في صلاة الليل ، وقولهم : الإمام منفرد في حق نفسه مسلم لكن المنفرد لا يجمع بين الذكرين على إحدى الروايتين عن عائشة ولأن ما ذكرنا من معنى التبعية لا يتحقق في المنفرد فبطل الاستدلال . أبي حنيفة
وأما قولهم : إنه يأمر غيره بالبر فينبغي أن لا ينسى نفسه فنقول : إذا أتى بالتسميع فقد صار دالا على التحميد والدال على الخير كفاعله فلم يكن ناسيا نفسه ، هذا إذا كان إماما فإن كان مقتديا يأتي بالتحميد لا غير عندنا ، وعند يجمع بينهما استدلالا بالمنفرد ; لأن الاقتداء لا أثر له في إسقاط الأذكار بالإجماع وإن اختلفا في القراءة . الشافعي
( ولنا ) أن النبي صلى الله عليه وسلم وفي الجمع بينهما من الجانبين إبطال القسمة وهذا لا يجوز ، ولأن التسميع دعاء إلى التحميد وحق من دعي إلى شيء الإجابة إلى ما دعي إليه لإعادة قول الداعي ، وإن كان منفردا فإنه يأتي بالتسميع في ظاهر الرواية ، وكذا يأتي بالتحميد عندهم وعن قسم التسميع والتحميد بين الإمام والمقتدي روايتان روى أبي حنيفة المعلى عن عن أبي يوسف أنه يأتي بالتسميع دون التحميد وإليه ذهب الشيخ الإمام أبي حنيفة أبو القاسم الصفار والشيخ أبو بكر الأعمش ، وروى الحسن عن أنه يجمع بينهما ، وذكر في بعض النوادر عنه أنه يأتي بالتحميد لا غير ، وفي الجامع الصغير ما يدل عليه فإن أبي حنيفة قال : سألت أبا يوسف رحمه الله تعالى عن الرجل يرفع رأسه من [ ص: 210 ] الركوع في الفريضة أيقول اللهم اغفر لي ؟ قال : يقول ربنا لك الحمد ويسكت وما أراد به الإمام ; لأنه لا يأتي بالتحميد عنده فكان المراد منه المنفرد . أبا حنيفة
وجه هذه الرواية أن التسميع ترغيب في التحميد وليس معه من يرغبه ، والإنسان لا يرغب نفسه فكانت حاجته إلى التحميد لا غير .
وجه رواية المعلى أن التحميد يقع في حالة القومة وهي مسنونة وسنة الذكر تختص بالفرائض والواجبات كالتشهد في القعدة الأولى ولهذا لم يشرع في القعدتين السجدتين .
وجه رواية الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بينهما في حديث رضي الله عنها ولا محمل له سوى حالة الانفراد لما مر ولهذا كان عمل الأمة على هذا وما كان الله ليجمع أمة عائشة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة ، واختلفت الأخبار في لفظ التحميد في بعضها ربنا ولك الحمد وفي بعضها ربنا لك الحمد والأشهر هو الأول .