الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وههنا نذكر سنن السجود ، منها أن يسجد على الأعضاء السبعة لما روينا فيما تقدم ، ومنها أن يجمع في السجود بين الجبهة والأنف فيضعهما ، وعند الشافعي فرض ; لقوله صلى الله عليه وسلم { لا يقبل الله صلاة من لم يمس أنفه الأرض كما يمس جبهته } ، وهو عندنا محمول على التهديد ونفي الكمال لما مر ، ومنها أن يسجد على الجبهة والأنف من غير حائل من العمامة والقلنسوة .

                                                                                                                                ولو سجد على كور العمامة ووجد صلابة الأرض جاز عندنا كذا ذكر محمد في الآثار ، وقال الشافعي : لا يجوز ، والصحيح قولنا ; لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يسجد على كور عمامته } ; ولأنه لو سجد على عمامته وهي منفصلة عنه ووجد صلابة الأرض يجوز فكذا إذا كانت متصلة به ولو سجد به على حشيش أو قطن إن تسفل جبينه فيه حتى وجد حجم الأرض أجزأه ، وإلا فلا ، وكذا إذا صلى على طنفسة محشوة جاز إذا كان متلبدا ، وكذا إذا صلى على الثلج إذا كان موضع سجوده متلبدا يجوز وإلا فلا .

                                                                                                                                ولو زحمه الناس فلم يجد موضعا للسجود فسجد على ظهر رجل أجزأه لقول عمر اسجد على ظهر أخيك فإنه مسجد لك .

                                                                                                                                وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إن سجد على ظهر شريكه في الصلاة يجوز ، وإلا فلا ; لأن الجواز للضرورة وذلك عند المشاركة في الصلاة ، ومنها أن يضع يديه في السجود حذاء أذنيه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا سجد وضع يديه حذاء أذنيه } ، ومنها أن يوجه أصابعه نحو القبلة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إذا سجد العبد سجد كل عضو منه فليوجه من أعضائه إلى القبلة ما استطاع } ، ومنها أن يعتمد على راحتيه { لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر إذا سجدت فاعتمد على راحتيك } ، ومنها أن يبدي ضبعيه لقوله صلى الله عليه وسلم لابن عمر { وأبد ضبعيك } أي أظهر الضبع وهو وسط العضد بلحمه ، وروى جابر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى يرى بياض إبطيه } ، ومنها أن يعتدل في سجوده ولا يفترش ذراعيه لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : اعتدلوا في السجود ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب } ، وقال مالك : يفترش في النفل دون الفرض وهو فاسد لما روينا من الحديث من غير فصل وهذا في حق الرجل فأما المرأة فينبغي أن تفترش ذراعيها وتنخفض ولا تنتصب كانتصاب الرجل وتلزق بطنها بفخذيها لأن ذلك أستر لها ، ومنها أن يقول في سجوده : سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه ; لما ذكرنا ثم يرفع رأسه ويكبر حتى يطمئن قاعدا والرفع فرض ; لأن السجدة الثانية فرض فلا بد من الرفع للانتقال إليها والطمأنينة في القعدة بين السجدتين للاعتدال وليست بفرض في قول [ ص: 211 ] أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولكنها سنة أو واجبة ، وعند أبي يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى فرض على ما مر .

                                                                                                                                وأما مقدار الرفع بين السجدتين فقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيمن رفع رأسه من السجدة مقدار ما تمر الريح بينه وبين الأرض أنه تجوز صلاته ، وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه إذا رفع رأسه مقدار ما يسمى به رافعا جاز ، وكذا قال محمد بن سلمة : إنه إذا رفع رأسه مقدار ما يشكل على الناظر أنه رفع رأسه جاز وهو الصحيح ; لأنه وجد الفصل بين الركنين والانتقال وهذا هو المفروض فأما الاعتدال فمن باب السنة أو الواجب على ما مر والسنة فيه أن يكبر مع الرفع لما مر ثم ينحط للسجدة الثانية مكبرا ويقول ويفعل فيها مثل ما فعل في الأولى ثم ينهض على صدور قدميه ولا يقعد يعني إذا قام من الأولى إلى الثانية ومن الثالثة إلى الرابعة ، وقال الشافعي : يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم واحتج بما روى مالك بن الحويرث أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قاعدا واعتمد بيديه على الأرض حالة القيام } ولنا ما روى أبو هريرة أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من السجدة الثانية ينهض على صدور قدميه } .

                                                                                                                                وروي عن عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أن هم كانوا ينهضون على صدور أقدامهم ، وما رواه الشافعي محمول على حالة الضعف حتى كان يقول لأصحابه لا تبادروني بالركوع والسجود فإني قد بدنت أي كبرت وأسننت فاختار أيسر الأمرين ، ويعتمد بيديه على ركبتيه لا على الأرض ويرفع يديه قبل ركبتيه وعند الشافعي يعتمد بيديه على الأرض ويرفع ركبتيه قبل يديه ; لما روينا من حديث مالك بن الحويرث ولنا ما روي عن علي أنه قال : من السنة في الصلاة المكتوبة أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخا كبيرا وبه تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك في حالة العذر ، ثم يفعل ذلك في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ويقعد على رأس الركعتين .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية