لقوله تعالى { وأما في القعدة الأخيرة فيدعو بعد التشهد ويسأل حاجته فإذا فرغت فانصب } جاء في التفسير أن المراد منه الدعاء في آخر الصلاة فانصب للدعاء ، وقال صلى الله عليه وسلم : { لابن مسعود } ولكن ينبغي أن يدعو بما لا يشبه كلام الناس حتى يكون خروجه من الصلاة على وجه السنة وهو إصابة لفظة السلام ، وفسره أصحابنا فقالوا : ما يشبه كلام الناس هو ما لا يستحيل سؤاله من غيره تعالى كقوله أعطني كذا أو زوجني امرأة ، وما لا يشبه كلام الناس هو ما يستحيل سؤاله من غيره كقوله : اللهم اغفر لي ونحو ذلك ، ثم لم يذكر في الأصل أنه يقدم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك ، ثم اختر من الدعوات ما شئت
وذكر في مختصره أنه بعد التشهد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بحاجته ويستغفر لنفسه ولوالديه إن كانا مؤمنين وللمؤمنين والمؤمنات وهذا هو الصحيح أن يقدم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء ليكون أقرب إلى الإجابة ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { الطحاوي } ما هو المعروف المتداول على ألسنة الأمة ، ولا يكره أن يقول فيها : وارحم : إذا صلى أحدكم فليبدأ بالحمد والثناء على الله ثم بالصلاة علي ثم بالدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم محمدا عند عامة المشايخ ، وبعضهم كرهوا ذلك وزعموا أنه يوهم التقصير منه في الطاعة ولهذا لا يقال عند ذكره : رحمه الله والصحيح أنه لا يكره ; لأن أحدا وإن جل قدره من العباد لا يستغني عن رحمة الله تعالى وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { } دل عليه أنه جاز قوله : اللهم صل على : لا يدخل الجنة أحد بعمله إلا برحمة الله قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ فقال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته محمد والصلاة من الله رحمة ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ليست بفرض عندنا بل هي سنة مستحبة ، وعند فرض لا تجوز الصلاة بدونها وهي اللهم صل على الشافعي ، وله في فرضية الصلاة في الأولى قولان واحتج بقوله تعالى { محمد يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } ومطلق الأمر للفرضية ، وقال صلى الله عليه وسلم { } ولنا ما روينا من حديث : لا صلاة لمن لم يصل علي في صلاته ابن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتمام الصلاة عند القعود قدر التشهد من غير شرط الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا حجة في الآية ; لأن المراد منها الندب بدليل ما روينا وروي عن وعبد الله بن عمرو بن العاص عمر رضي الله عنهما أنهما قالا : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة في الصلاة على أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار بل يقتضي الفعل مرة واحدة ، وقد قال وابن مسعود من أصحابنا : إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض العمر كالحج ، وليس في الآية تعيين حالة الصلاة والحديث محمول على نفي الكمال لقوله صلى الله عليه وسلم { الكرخي } وبه نقول . لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد
وأما فقد كان الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير حالة الصلاة يقول : إنها فريضة على كل بالغ عاقل في العمر مرة واحدة وقال الكرخي : كلما ذكره أو سمع اسمه تجب . الطحاوي
وجه قول ما ذكرنا أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار فإذا امتثل مرة في الصلاة أو في غيرها سقط الفرض عنه كما يسقط فرض الحج بالحج مرة واحدة . الكرخي
وجه ما ذكره أن سبب وجوب الصلاة هو الذكر أو السماع ، والحكم يتكرر بتكرر السبب كما يتكرر وجوب الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات بتكرر أسبابها . الطحاوي
وأما بيان أنه واجب أو سنة ، فأما فواجب استحسانا وقال القاضي التشهد في القعدة الأولى أبو جعفر الأسروشني : إنه سنة وهذا أقرب إلى القياس ; لأن ذكر التشهد أدنى رتبة من القعدة ألا ترى أن القعدة الأخيرة لما كانت فرضا كانت القراءة فيها واجبة ؟ فالقعدة الأولى لما كانت واجبة يجب أن تكون القراءة فيها سنة ليظهر انحطاط رتبته والصحيح أنه واجب فإن أوجب سجود السهو بتركه ساهيا وأنه لا يجب إلا [ ص: 214 ] بترك الواجب على ما ذكرنا فيما تقدم وكذا في القعدة الأخيرة عندنا حتى لو تركه عمدا لا تفسد صلاته ولكن يكون مسيئا ، ولو تركه سهوا يلزمه سجود السهو وعند محمدا فرض حتى لا تجوز الصلاة بدونه وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم . الشافعي