ومنها أن يكون المقدم صالحا للخلافة حتى لو فسدت صلاته وصلاة القوم كذا ذكر في كتاب الصلاة في باب الحدث ; لأن المحدث لا يصلح خليفة فكان اشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له عملا كثيرا ليس من أعمال الصلاة فكان إعراضا عن الصلاة فتفسد صلاته وتفسد صلاة القوم بفساد صلاته ; ولأن الإمام لما استخلفه فقد اقتدى به ومتى صار هو مقتديا به صار القوم أيضا مقتدين به استخلف محدثا أو جنبا لا يصح فتفسد صلاة الإمام والقوم جميعا وهذا عندنا ; لأن والاقتداء بالمحدث والجنب فصلاتهم فاسدة عندنا فكذا في حال الاستخلاف وعند حدث الإمام إذا تبين للقوم بعد الفراغ من الصلاة إذا اقتدوا به مع العلم بكونه محدثا لا يصح الاقتداء وإذا لم يعلموا به ثم علموا بعد الفراغ فصلاتهم تامة فكذا في حال الاستخلاف وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم ، وذكر الشافعي القدوري في شرحه مختصر الكرخي ما يدل على أن صحيح حتى لا تفسد صلاته فإنه قال : إذا قدم الإمام رجلا والمقدم على غير وضوء فلم يقم مقامه ينوي أن يؤم الناس حتى قدم غيره صح الاستخلاف ولو لم يكن أهلا للخلافة ; لما صح استخلافه غيره ولفسدت صلاة الإمام باستخلافه من لا يصلح للخلافة فتفسد صلاة القوم وحينئذ لا يصح استخلاف المقدم غيره ووجهه أن المقدم من أهل الإمامة في الجملة وإنما التعذر لمكان الحدث فصار أمره بمنزلة أمر الإمام ، والأول أصح ; لما ذكرنا ، وكذلك استخلاف المحدث فسدت صلاته وصلاة القوم ; لأن لو قدم صبيا كما لا يصلح أصيلا في الإمامة في الفرائض ، وهذا على أصلنا أيضا فإنه يجوز الصبي لا يصلح خليفة للإمام في الفرض عندنا خلافا اقتداء البالغ بالصبي في المكتوبة بناء على أن للشافعي لا يصح عندنا وعنده يصح ، وقد مرت المسألة . اقتداء المفترض بالمتنفل
وكذلك فسدت صلاتهم جميعا من الرجال والنساء والإمام والمقدم ، وقال إن قدم الإمام المحدث امرأة صلاة المقدم والنساء جائزة وإنما تفسد صلاة الرجال ، وجه قوله أن المرأة تصلح لإمامة النساء في الجملة وإنما لا تصلح لإمامة الرجال كما في الابتداء ، ولنا أن المرأة لا تصلح لإمامة الرجال قال صلى الله عليه وسلم { زفر } فصار باستخلافه إياها معرضا عن الصلاة فتفسد صلاته وتفسد صلاة القوم بفساد صلاته ; لأن الإمامة لم تتحول منه إلى غيره . أخروهن من حيث أخرهن الله
وكذلك لو قدم الأمي أو العاري أو المومي وقال : إن زفر لا تفسد صلاتهم ; لاستواء حال القارئ والأمي في الأخريين لتأدي فرض القراءة في الأوليين ، والصحيح أنه تفسد صلاتهم ; لأن الإمام إذا قرأ في الأوليين فاستخلف أميا في الأخريين له عمل كثير منه ليس من أعمال الصلاة فتفسد صلاته وصلاتهم بفساد صلاته ، وكذلك إن استخلفه بعد ما قعد قدر التشهد عند استخلاف من لا يصلح إماما وهي من المسائل الاثني عشرية ، وبعض مشايخنا قالوا : لا تفسد بالإجماع ; لوجود الصنع منه ههنا وهو الاستخلاف ، إلا أن بناء مذهب أبي حنيفة في هذه المسائل على هذا الأصل غير سديد على ما ذكرنا في كتاب الطهارة في فصل التيمم ، والأصل في باب الاستخلاف أن كل من يصح اقتداء الإمام به يصلح خليفة له وإلا فلا ولو كان الإمام متيمما فأحدث فقدم متوضئا جاز ; لأن أبي حنيفة صحيح بلا خلاف . اقتداء المتيمم بالمتوضئ
ولو قدمه ثم وجد الإمام الأول الماء فسدت صلاته وحده ; لأن الإمامة تحولت منه إلى الثاني وصار هو كواحد من القوم ففساد صلاته [ ص: 228 ] لا يتعدى إلى صلاة غيره ، وإن كان الإمام الأول متوضئا والخليفة متيمما فوجد الخليفة الماء فسدت صلاته وصلاة الأول والقوم جميعا ; لأن الإمامة تحولت إليه وصار الأول كواحد من المقتدين به ، وفساد صلاة الإمام يتعدى إلى صلاة القوم .
ولو قدم مسبوقا جاز والأولى ; لأنه أقدر على إتمام الصلاة وقد قال صلى الله عليه وسلم { للإمام المحدث أن يستخلف مدركا لا مسبوقا } ومع هذا لو قدم المسبوق جاز ولكن ينبغي له أن لا يتقدم ; لأنه عاجز عن القيام بجميع ما بقي من الأفعال . : من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين
ولو تقدم مع هذا جاز ; لأنه أهل للإمامة وهو قادر على أداء الأركان وهو المقصود من الصلاة فإذا صح استخلافه يتم الصلاة من الموضع الذي وصل إليه الإمام ; لأنه قائم مقامه فإذا انتهى إلى السلام يستخلف هذا الثاني رجلا أدرك أول الصلاة ليسلم بهم ; لأنه عاجز عن السلام لبقاء ما سبق به عليه فصار بسبب العجز عن إتمام الصلاة كالذي سبقه الحدث فثبتت له ولاية استخلاف غيره فيقدم مدركا ليسلم ثم يقوم هو إلى قضاء ما سبق به ، والإمام الأول صار مقتديا بالثاني ; لأن الثاني صار إماما فيخرج الأول من الإمامة ضرورة أن الصلاة الواحدة لا يكون لها إمامان وإذا لم يبق إماما وقد بقي هو في الصلاة التي كانت مشتركة بينهم صار مقتديا ضرورة فإن توضأ الأول وصلى في بيته ما بقي من صلاته فإن كان قبل فراغ الإمام الثاني من بقية صلاة الأول فسدت صلاته وإن كان بعد فراغه فصلاته تامة لما مر .