الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

فصل

آثار المحبة

والمحبة لها آثار وتوابع ولوازم وأحكام ، سواء كانت محمودة أو مذمومة ، نافعة أو ضارة ، من الوجد والذوق والحلاوة ، والشوق والأنس ، والاتصال بالمحبوب والقرب منه ، والانفصال عنه والبعد عنه ، والصد والهجران ، والفرح والسرور ، والبكاء والحزن ، وغير ذلك من أحكامها ولوازمها .

والمحبة المحمودة : هي المحبة النافعة التي تجلب لصاحبها ما ينفعه في دنياه وآخرته ، وهذه المحبة هي عنوان السعادة ، والضارة : هي التي تجلب لصاحبها ما يضره في دنياه وآخرته ، وهي عنوان الشقاوة .

ومعلوم أن الحي العاقل لا يختار محبة ما يضره ويشقيه ، وإنما يصدر ذلك عن جهل وظلم ، فإن النفس قد تهوى ما يضرها ولا ينفعها ، وذلك من ظلم الإنسان لنفسه ، إما بأن تكون جاهلة بحال محبوبها بأن تهوى الشيء وتحبه غير عالمة بما في محبته من المضرة ، وهذا حال من اتبع هواه بغير علم ، وإما عالمة بما في محبته من الضرر لكن تؤثر هواها على علمها ، وقد تتركب محبتها على أمرين : اعتقاد فاسد ، وهو مذموم ، وهذا حال من اتبع الظن وما تهوى الأنفس ، فلا تقع المحبة الفاسدة إلا من جهل أو اعتقاد فاسد أو هوى غالب ، أو ما تركب من ذلك فأعان بعضه بعضا فتنفق شبهة وشهوة ، شبهة يشتبه بها الحق بالباطل وتزين له أمر المحبوب ، وشهوة تدعوه إلى حصوله ، فيتساعد جيش الشبهة والشهوة على جيش العقل والإيمان ، والغلبة لأقواهما .

وإذا عرف هذا فتوابع كل نوع من أنواع المحبة له حكم متبوعه ، فالمحبة النافعة المحمودة التي هي عنوان سعادة العبد وتوابعها كلها نافعة له ، فحكمها حكم متبوعها ، فإن [ ص: 205 ] بكى نفعه ، وإن حزن نفعه ، وإن فرح نفعه ، وإن انقبض نفعه ، وإن انبسط نفعه ، فهو يتقلب في منازل المحبة وأحكامها في مزيد وربح وقوة .

والمحبة الضارة المذمومة ، توابعها وآثارها كلها ضارة لصاحبها ، مبعدة له من ربه ، كيفما تقلب في آثارها ونزل في منازلها في خسارة وبعد .

وهذا شأن كل فعل تولد عن طاعة ومعصية ، فكل ما تولد من الطاعة فهو زيادة لصاحبها وقربة ، وكل ما تولد عن المعصية فهو خسران لصاحبه وبعد ، قال تعالى : ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون [ سورة التوبة : 120 - 121 ] .

فأخبر الله سبحانه في الآية الأولى : أن المتولد عن طاعتهم وأفعالهم يكتب به عمل صالح ، وأخبر في الثانية : أن أعمالهم الصالحة التي باشروها تكتب لهم أنفسها ، والفرق بينهما : أن الأول ليس من فعلهم ، وإنما تولد عنه فكتب لهم به عمل صالح ، والثاني نفس أعمالهم فكتب لهم .

فليتأمل قتيل المحبة هذا الفصل حق التأمل ؛ ليعلم ما له وما عليه .


سيعلم يوم العرض أي بضاعة أضاع وعند الوزن ما كان حصلا



التالي السابق


الخدمات العلمية