الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

فصل

المعاصي تصغر النفس

ومن عقوباتها : أنها تصغر النفس ، وتقمعها ، وتدسيها ، وتحقرها ، حتى تكون أصغر كل شيء وأحقره ، كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها ، قال تعالى : قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها [ سورة الشمس : 9 - 10 ] ، والمعنى قد أفلح من كبرها وأعلاها بطاعة الله وأظهرها ، وقد خسر من أخفاها وحقرها وصغرها بمعصية الله .

وأصل التدسية : الإخفاء ، ومنه قوله تعالى : أم يدسه في التراب [ سورة النحل : 59 ] .

فالعاصي يدس نفسه في المعصية ، ويخفي مكانها ، يتوارى من الخلق من سوء ما يأتي به ، وقد انقمع عند نفسه ، وانقمع عند الله ، وانقمع عند الخلق ، فالطاعة والبر تكبر النفس وتعزها وتعليها ، حتى تصير أشرف شيء وأكبره ، وأزكاه وأعلاه ، ومع ذلك فهي أذل شيء وأحقره وأصغره لله تعالى ، وبهذا الذل حصل لها هذا العز والشرف والنمو ، فما أصغر النفوس مثل معصية الله ، وما كبرها وشرفها ورفعها مثل طاعة الله .

[ ص: 79 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية