فصل
المعاصي تسقط الكرامة
فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم ، وأقربهم منه منزلة أطوعهم له ، وعلى قدر طاعة العبد تكون له منزلته عنده ، فإذا عصاه وخالف أمره سقط من عينه ، فأسقطه من قلوب عباده ، وإذا لم يبق له جاه عند الخلق وهان عليهم عاملوه على حسب ذلك ، فعاش بينهم أسوأ عيش خامل الذكر ، [ ص: 80 ] ساقط القدر ، زري الحال ، لا حرمة له ولا فرح له ولا سرور ، فإن خمول الذكر وسقوط القدر والجاه معه كل غم وهم وحزن ، ولا سرور معه ولا فرح ، وأين هذا الألم من لذة المعصية لولا سكر الشهوة ؟ ومن عقوباتها : سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه ،
ومن : أن يرفع له بين العالمين ذكره ، ويعلي قدره ، ولهذا خص أنبياءه ورسله من ذلك بما ليس لغيرهم ، كما قال تعالى : أعظم نعم الله على العبد واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار [ سورة ص 45 : - 46 ] .
أي : خصصناهم بخصيصة ، وهو الذكر الجميل الذي يذكرون به في هذه الدار ، وهو لسان الصدق الذي سأله إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال : واجعل لي لسان صدق في الآخرين [ سورة الشعراء : 84 ] .
وقال سبحانه وتعالى عنه وعن بنيه : ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا [ سورة مريم : 50 ] .
وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم : ورفعنا لك ذكرك [ سورة الشرح : 4 ] .
فأتباع الرسل لهم نصيب من ذلك بحسب ميراثهم من طاعتهم ومتابعتهم ، وكل من خالفهم فإنه بعيد من ذلك بحسب مخالفتهم ومعصيتهم .