فصل  
القطع لإفساد الأموال  
وجعل سبحانه  القطع بإزاء فساد الأموال   الذي لا يمكن الاحتراز منه ، لأنه يأخذ الأموال في الاختفاء ، وينقب الدور ، ويتسور من غير الأبواب ، فهو كالسنور والحية التي تدخل عليك من حيث لا تعلم ، فلم ترتفع مفسدة سرقته إلى القتل ، ولا تندفع بالجلد ، فأحسن ما      [ ص: 113 ] دفعت به مفسدته إبانة العضو الذي يتسلط به على الجناية ، وجعل الجلد بإزاء إفساد العقول وتمزيق الأعراض بالقذف .  
فدارت عقوباته سبحانه الشرعية على هذه الأنواع الثلاثة ، كما دارت الكفارات على ثلاثة أنواع : العتق ، وهو أعلاها ، والإطعام ، والصيام .  
أقسام الذنوب  
ثم إنه سبحانه جعل  الذنوب ثلاثة أقسام      :  
قسما فيه الحد ، فهذا لم يشرع فيه كفارة اكتفاء بالحد .  
وقسما لم يرتب عليه حدا ، فشرع فيه الكفارة ، كالوطء في نهار رمضان ، والوطء في الإحرام ، والظهار ، وقتل الخطأ ، والحنث في اليمين وغير ذلك .  
وقسما لم يرتب عليه حدا ولا كفارة ، وهو نوعان :  
أحدهما : ما كان الوازع عنه طبيعيا ، كأكل العذرة ، وشرب البول والدم .  
والثاني : ما كانت مفسدته أدنى من مفسدة ما رتب عليه الحد ، كالنظر والقبلة واللمس والمحادثة ، وسرقة فلس ، ونحو ذلك .  
الكفارات في ثلاثة أنواع  
وشرع  الكفارات في ثلاثة أنواع      :  
أحدها : ما كان مباح الأصل ، ثم عرض تحريمه فباشره في الحالة التي عرض فيها التحريم ، كالوطء في الإحرام والصيام ، وطرده : الوطء في الحيض والنفاس ، بخلاف الوطء في الدبر ، ولهذا كان إلحاق بعض الفقهاء له بالوطء في الحيض لا يصح ، فإنه لا يباح في وقت دون وقت ، فهو بمنزلة التلوط ، وشرب المسكر .  
النوع الثاني : ما عقد لله من نذر أو بالله من يمين ، أو حرمه الله ثم أراد حله ، فشرع الله سبحانه حله بالكفارة وسماها نحلة ، وليست هذه الكفارة ماحية لهتك حرمة الاسم بالحنث ، كما ظنه بعض الفقهاء ، فإن الحنث قد يكون واجبا ، وقد يكون مستحبا ، وقد يكون مباحا ، وإنما الكفارة حل لما عقده .  
النوع الثالث : ما تكون فيه جابرة لما فات ، ككفارة قتل الخطأ ، وإن لم يكن هناك إثم ، وكفارة قتل الصيد خطأ ، فإن ذلك من باب الجوابر ، والنوع الأول من باب الزواجر ، والنوع الوسط من باب التحلة لما منه العقد .  
 [ ص: 114 ] لا يجتمع الحد والتعزير  
لا يجتمع الحد والتعزير في معصية   ، بل إن كان فيها حد اكتفي به وإلا اكتفي بالتعزير ، ولا يجتمع الحد والكفارة في معصية ، بل كل معصية فيها حد فلا كفارة فيها ، وما فيه كفارة فلا حد فيه ، وهل يجتمع التعزير والكفارة في المعصية التي لا حد فيها ؟  
فيه وجهان : وهذا كالوطء في الإحرام والصيام ، ووطء الحائض ، وإذا أوجبنا فيه الكفارة ، فقيل : يجب فيه التعزير لما انتهك من الحرمة بركوب الجناية ، وقيل : لا تعزير في ذلك ، اكتفاء بالكفارة لأنها جابرة وماحية .  
				
						
						
