ذكر سامرا بناء
وفي هذه السنة خرج المعتصم إلى سامرا لبنائها ، وكان سبب ذلك أنه قال : إني أتخوف هؤلاء الحربية أن يصيحوا صيحة فيقتلوا غلماني ، فأريد أن أكون فوقهم ، فإن رابني منهم شيء أتيتهم في البر والماء ، حتى آتي عليهم ، فخرج إليها ، فأعجبه مكانها .
وقيل كان سبب ذلك أن المعتصم كان قد أكثر من الغلمان الأتراك ، فكانوا لا يزالون يرون الواحد بعد الواحد قتيلا ، وذلك أنهم كانوا جفاة ، يركبون الدواب ، فيركضونها إلى الشوارع ، فيصدمون الرجل والمرأة والصبي ، فيأخذهم الأبناء عن دوابهم ، ويضربونهم ، وربما هلك أحدهم فتأذى بهم الناس .
ثم إن المعتصم ركب يوم عيد ، فقام إليه شيخ ، فقال له : يا أبا إسحاق ! فأراد الجند ضربه ، فمنعهم ، وقال : يا شيخ ( ما لك ، ما لك ؟ ) قال : لا جزاك الله عن الجوار خيرا ، جاورتنا وجئت بهؤلاء العلوج من غلمانك الأتراك ، فأسكنتهم بيننا ، فأيتمت صبياننا ، وأرملت بهم نسواننا ، وقتلت رجالنا ، والمعتصم يسمع ذلك ، فدخل منزله ، ولم ير راكبا إلى مثل ذلك اليوم ، فخرج ، فصلى بالناس العيد ، ولم يدخل بغداد ، بل سار إلى ناحية القاطول ، ولم يرجع إلى بغداد .
[ ص: 16 ] قال مسرور الكبير : سألني المعتصم أين كان الرشيد يتنزه إذا ضجر ببغداذ قلت : بالقاطول ، وكان قد بنى هناك مدينة آثارها وسورها قائم ، وكان قد خاف من الجند ما خاف المعتصم ، فلما وثب أهل الشام بالشام وعصوا خرج إلى الرقة فأقام بها ، وبقيت مدينة القاطول لم تستم .
ولما خرج المعتصم إلى القاطول استخلف ببغداذ ابنه الواثق .
وكان المعتصم قد اصطنع قوما من أهل الحوف بمصر ، واستخدمهم ، وسماهم المغاربة ، وجمع خلقا من سمرقند ، وأشروسنة ، وفرغانة ، وسماهم الفراغنة ، فكانوا من أصحابه ، وبقوا بعده .
وكان ابتداء العمارة بسامرا سنة إحدى وعشرين ومائتين .