[ ص: 77 ] ذكر بعض سيرته  
ذكر عن   أحمد بن أبي دؤاد  ؛ لأنه ذكر  المعتصم  فأسهب في ذكره ، وأكثر في وصفه ، وذكر من طيب أعراقه ، وسعة أخلاقه ، وكريم عشرته ، قال : وقال يوما ، ونحن بعمورية    : ما تقول في البسر يا  عبد الله  ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ، نحن ببلاد الروم  ، والبسر بالعراق  ، فقال : قد جاؤوا منه بشيء من بغداد  ، وعلمت أنك تشتهيه ، ثم أحضره ، فمد يده ، فأخذ العذق فارغا ، قال : وكنت أزامله كثيرا في سفره ذلك . 
ذكر باقي الخبر قال : وأخذت لأهل الشاش  منه ألفي ألف درهم; لعمل نهر كان لهم اندفن في صدر الإسلام ، فأضر بهم . 
وقال غيره : إنه كان لا يبالي إذا غضب من قتل ، وما فعل ، ولم يكن له لذة في تزيين البناء ، ولم يكن بالنفقة أسمح منه بها في الحرب . 
قال  أحمد بن سليمان بن أبي شيخ     : قدم   الزبير بن بكار  العراق  هاربا من العلويين ، لأنه كان ينال منهم ، فتهددوه ، فهرب منهم ، وقدم على عمه  مصعب بن عبد الله بن الزبير  ، وشكا إليه حاله ، وخوفه من العلويين ، وسأله إنهاء حاله إلى  المعتصم  ، فلم يجد عنده ما أراد ، وأنكر عليه حاله ولامه . 
قال  أحمد     : فشكا ذلك إلي وسألني مخاطبة عمه في أمره ، فقلت له في ذلك وأنكرت عليه إعراضه عنه ، فقال لي : إن  الزبير  فيه جهل وتسرع ، فأشر عليه أن يستعطف العلويين ، ويزيل ما في نفوسهم منه ، أما رأيت   المأمون  ورفقه بهم ، وعفوه عنهم ، وميله إليهم ؟ قلت : بلى ، فهذا أمير المؤمنين ، والله ، على مثل ذلك ، أو فوقه ، ولا أقدر أذكرهم عنده بقبيح ، فقل له ذلك حتى يرجع عن الذي هو عليه من ذمهم . 
قال  إسحاق بن إبراهيم المصعبي     : دعاني  المعتصم  يوما ، فدخلت عليه فقال : أحببت أن أضرب معك بالصوالجة ، فلعبنا بها ساعة ، ثم نزل وأخذ بيدي نمشي إلى أن صار إلى حجرة الحمام ، فقال : خذ ثيابي ، فأخذتها ، ثم أمرني بنزع ثيابي ، ففعلت ، ودخلت ، وليس معنا غلام ، فقمت إليه ، فخدمته ، ودلكته ، وتولى  المعتصم  مني ذلك ، فاستعفيته ، فأبى علي ، ثم خرجنا ، ومشى وأنا معه ، حتى صار إلى مجلسه ، فنام ،   [ ص: 78 ] وأمرني فنمت حذاءه بعد الامتناع ، ثم قال لي : يا  إسحاق  إن في قلبي أمرا أنا مفكر فيه منذ مدة طويلة ، وإنما بسطتك في هذا الوقت لأفشيه إليك ، فقلت : قل يا أمير المؤمنين ، فإنما أنا عبدك وابن عبدك . 
قال : نظرت إلى أخي   المأمون  وقد اصطنع أربعة ، فلم يفلح أحد منهم ، قلت : ومن الذين اصطنعهم   المأمون  ؟ قال :   طاهر بن الحسين  ، فقد رأيت وسمعت ، وابنه   عبد الله بن طاهر  ، فهو الرجل الذي لم ير مثله ، وأنت فأنت والله الرجل الذي لا يعتاض السلطان عنك أبدا ، وأخوك   محمد بن إبراهيم  ، وأين مثل  محمد  ؟ وأنا فاصطنعت  الأفشين  ، فقد رأيت إلى ما صار أمره ،  وأشناس  ففشل ،  وإيتاخ  فلا شيء ،  ووصيفا  فلا معنى فيه . 
فقلت : أجيب على أمان من غضبك ؟ قال : نعم ! قلت له : يا أمير المؤمنين ، نظر أخوك إلى الأصول فاستعملها ، فأنجبت ، واستعمل أمير المؤمنين فروعا ، فلم تنجب إذ لا أصول لها ! فقال : يا  إسحاق  ، لمقاساة ما مر بي طول هذه المدة أيسر علي من هذا الجواب . 
وقال   ابن أبي دؤاد     : تصدق  المعتصم  ، ووهب على يدي مائة ألف ألف درهم . 
وحكي أن  المعتصم  قد انقطع عن أصحابه في يوم مطر ، فبينا هو يسير رحله إذ رأى شيخا معه حمار عليه حمل شوك ، وقد زلق الحمار ، وسقط ، والشيخ قائم ينتظر من يمر به فيعينه على حمله ، فسأله  المعتصم  عن حاله ، فأخبره ، فنزل عن دابته; ليخلص الحمار عن الوحل ، ويرفع عليه حمله ، فقال له الشيخ : بأبي أنت وأمي لا تبلل ثيابك وطيبك ! فقال : لا عليك ، ثم إنه خلص الحمار ، وجعل الشوك عليه ، وغسل يديه ، ثم ركب ، فقال الشيخ : غفر الله لك يا شاب ! ثم لحقه أصحابه ، فأمر له بأربعة آلاف درهم ، ووكل به من يسير معه إلى بيته . 
				
						
						
