[ ص: 189 ] ذكر خلافة المستعين
وفي هذه السنة بويع أحمد بن محمد بن المعتصم بالخلافة ، وكان سبب ذلك أن المنتصر لما توفي اجتمع الموالي على الهارونية من الغد ، وفيها بغا الكبير ، وبغا الصغير ، وأتامش ، وغيرهم ، فاستحلفوا قواد الأتراك ، والمغاربة ، والأشروسنية على أن يرضوا بمن رضي به بغا الكبير ، وبغا الصغير ، وأتامش ، وذلك بتدبير ، فحلفوا ، وتشاوروا ، وكرهوا أن يتولى الخلافة أحد من ولد أحمد بن الخصيب المتوكل لئلا يغتالهم ، وأجمعوا على أحمد بن محمد بن المعتصم ، وقالوا : لا تخرج الخلافة من ولد مولانا المعتصم ، فبايعوه ليلة الاثنين لست خلون من ربيع الآخر وهو ابن ثمان وعشرين سنة ، ويكنى أبا العباس ، فاستكتب ، واستوزر أحمد بن الخصيب أوتامش .
فلما كان يوم الاثنين سار المستعين إلى دار العامة في زي الخلافة ، وحمل إبراهيم بن إسحاق بين يديه الحربة ، وصف واجن الأشروسني أصحابه صفين ، وقام هو وعدة من وجوه أصحابه ، وحضر الدار أصحاب المراتب من العباسيين والطالبيين وغيرهم .
فبينا هم كذلك إذ جاءت صيحة من ناحية الشارع والسوق ، وإذا نحوا من خمسين فارسا ذكروا أنهم من أصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر ، ومعهم غيرهم من أخلاط الناس والغوغاء والسوقة ، فشهروا السلاح ، وصاحوا : نفير ، يا منصور ! وشدوا على أصحاب الأشروسني فتضعضعوا ، وانضم بعضهم إلى بعض ، وتحرك من على باب العامة من المبيضة والشاكرية ، وكثروا ، فحمل عليهم المغاربة ، وبعض الأشروسنية ، فهزموهم حتى أدخلوهم درب زرافة ، ثم نشبت الحرب بينهم ، فقتل جماعة ، وانصرف [ ص: 190 ] الأتراك بعد ثلاث ساعات ، وقد بايعوا المستعين هم ومن حضر من الهاشميين وغيرهم .
ودخل الغوغاء والمنتهبة دار العامة ، فانتهبوا الخزانة التي فيها السلاح ، والدروع ، والجواشن ، والسيوف ، والترس ، وغير ذلك ، وكان الذين نهبوا ذلك الغوغاء ، وأصحاب الحمامات ، وغلمان أصحاب الباقلي ، وأصحاب الفقاع ، فأتاهم بغا الكبير ، في جماعة ، فأجلوهم عن الخزانة ، وقتلوا منهم عدة ، وكثر القتل من الفريقين ، وتحرك أهل السجن بسامرا ، وهرب منهم جماعة ، ثم وضع العطاء على البيعة ، وبعث بكتاب البيعة إلى محمد بن عبد الله بن طاهر ، فبايع له هو والناس ببغداذ .
ذكر ابن مسكويه في كتاب " تجارب الأمم " أن المستعين أخو المتوكل لأبيه ، وليس هو كذلك ، إنما هو ولد أخيه محمد بن المعتصم ، والله أعلم .