كان من أحسن الخلفاء ( مذهبا ، وأجملهم طريقة ، وأظهرهم ورعا ، وأكثرهم عبادة ) . المهتدي بالله
قال عبد الله بن إبراهيم الإسكافي : جلس المهتدي للمظالم ، فاستعداه رجل على ابن له ، فأمر بإحضاره ، فأحضر وأقامه إلى جانب خصمه ليحكم بينهما ، فقال الرجل للمهتدي : والله يا أمير المؤمنين ما أنت إلا كما قيل :
حكمتموه فقضى بينكم أبلج مثل القمر الزاهر لا يقبل الرشوة في حكمه
ولا يبالي غبن الخاسر
فقال المهتدي : أما أنت أيها الرجل فأحسن الله مقالتك ، وأما أنا فما جلست حتى قرأت : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ) الآية ، قال : فما رأيت باكيا أكثر من ذلك اليوم .
قال أبو العباس بن هاشم بن القاسم الهاشمي : كنت عند المهتدي بعض عشايا شهر رمضان ، فقمت لأنصرف ، فأمرني بالجلوس ، فجلست حتى صلى المهتدي بنا المغرب ، وأمر بالطعام فأحضر ، وأحضر طبق خلاف عليه رغيفان ، وفي إناء ملح ، وفي [ ص: 288 ] آخر زيت ، وفي آخر خل ، فدعاني إلى الأكل ، وأكلت مقتصرا ظنا مني أنه يحضر طعاما جيدا ، فلما رأى أكلي كذلك قال : أما كنت صائما ؟ قلت : بلى . قال : أفلست تريد عشاءك ، فليس ههنا غير ما ترى .
فعجبت من قوله ، وقلت : ولم يا أمير المؤمنين ؟ قد أسبغ الله عليك النعمة ووسع رزقه ! فقال : إن الأمر على ما وصفت ، والحمد لله ، ولكني فكرت في أنه كان من بني أمية ، فغرت عمر بن عبد العزيز لبني هاشم أن لا يكون في خلفائهم مثله وأخذت نفسي بما رأيت .
قال إبراهيم بن مخلد بن محمد بن عرفة عن بعض الهاشميين : إن المهتدي وجدوا له سفطا فيه جبة صوف ، وكساء ، وبرنس كان يلبسه بالليل ، ويصلي فيه ، ويقول : أما يستحي بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل ؟ وكان قد أطرح الملاهي ، وحرم الغناء والشراب ، ومنع أصحاب السلطان عن الظلم ، رحمه الله تعالى ورضي عنه . عمر بن عبد العزيز