في هذه السنة استعمل نصر بن أحمد بن أسد بن سامان خداه بن جثمان بن طمغاث بن نوشرد بن بهرام جوبين بن بهرام خشنش ، وكان بهرام خشنش من الري ، فجعله كسرى هرمز بن أنوشروان مرزبان أذربيجان ، وقد تقدم ذكر بهرام جوبين عند ذكر كسرى هرمز .
ولما ولي المأمون خراسان ، واصطلح أولاده وهم : نوح ، وأحمد ، ويحيى ، وإلياس ، بنو أسد بن سامان ، قربهم ورفع منهم واستعملهم ورعى حق سلفهم ، فلما رجع إلى المأمون العراق استخلف على خراسان غسان بن عباد ، فولى غسان نوح بن أسد ، في سنة أربع ومائتين سمرقند ، وأحمد بن أسد فرغانة ، ويحيى بن أسد الشاش وأشروسنة ، وإلياس بن أسد هراة .
فلما ولي طاهر بن الحسين خراسان ولاهم هذه الأعمال ، ثم توفي نوح بن أسد ، وأقر أخويه على عمله : طاهر بن عبد الله يحيى ، وأحمد ، وكان أحمد بن أسد عفيف الطعمة ، مرضي السيرة ، لا يأخذ رشوة ، ولا أحد من أصحابه ، ففيه قيل ، أو في ابنه نصر :
ثوى ثلاثين حولا في ولايته فجاع يوم ثوى في قبره حشمه
وكان إلياس يلي هراة ، ( وله بها عقب وآثار كثيرة ، فاستقدمه ) ، وكان رسمه فيمن يستقدمه أن يعد أيامه ، فأبطأ عبد الله بن طاهر إلياس ، فكتب إليه بالمقام حيث يلقاه [ ص: 325 ] كتابه ، فبلغه الكتاب وقد سار عن بوشنج ، فأقام بها سنة تأديبا له ، ثم أذن في القدوم عليه .
فلما مات إلياس بهراة أقر عبد الله ابنه أبا إسحاق محمد بن إلياس على عمله ، فأقام بهراة ; وكان لأحمد بن أسد سبعة بنين ، وهم : نصر ، وأبو يوسف يعقوب ، وأبو زكرياء يحيى ، وأبو الأشعث أسد ، وإسماعيل ، وإسحاق ، وأبو غانم حميد ، لما توفي أحمد بن أسد استخلف ابنه نصرا على أعماله بسمرقند وما وراءها ، فبقي عاملا عليها إلى آخر أيام الطاهرية ، وبعد زوال أمرهم إلى أن مضى لسبيله .
وكان يخدم أخاه إسماعيل بن أحمد نصرا ، فولاه نصر بخارى سنة إحدى وستين ومائتين .
ومعنى قول أبي جعفر : وفي سنة إحدى وستين [ ومائتين ] ولي نصر بن أحمد ما وراء النهر ، أنه تولاه من جانب الخليفة ، وإنما كان يتولاه ، من قبل ، من عمال خراسان ، وإلا فالقوم تولوا قبل هذا التاريخ .
وكان سبب استعماله إسماعيل أنه لما استولى يعقوب بن الليث على خراسان أنفذ نصر جيشا إلى شط جيحون ليأمن عبور يعقوب ، فقتلوا مقدمهم ، ورجعوا إلى بخارى ، فخافهم أحمد بن عمر نائب نصر على نفسه ، فتغيب عنهم ، فأمروا عليهم أبا هاشم محمد بن المبشر بن رافع بن الليث بن نصر بن سيار ، ثم عزلوه ، وولوا أحمد بن محمد بن ليث والد أبي عبد الله بن جنيد ، ثم صرفوه ، وولوا الحسن بن محمد من ولد عبدة بن حديد ; ثم صرفوه ، وبقيت بخارى بغير أمير ، فكتب رئيسها وفقيهها أبو عبد الله بن أبي حفص إلى نصر يسأله توجيه من يضبط بخارى ، فوجه أخاه إسماعيل ، ثم إن إسماعيل كاتب حين ولي رافع بن هرثمة خراسان ، فتعاقدا على التعاون ، والتعاضد ، فطلب منه إسماعيل أعمال خوارزم فولاه إياها .
وكان إسماعيل يؤامره في المكاتبة ، ثم سعت السعاة بين نصر ، وإسماعيل [ ص: 326 ] فأفسدوا ما بينهما ، فقصده نصر سنة اثنتين وسبعين ومائتين ، فأرسل إسماعيل حمويه بن علي إلى يستنجده ، فسار إليه في جيش كثيف ، فوافى رافع بن هرثمة بخارى ، قال حمويه : ففكرت في نفسي ، وقلت : إن ظفر إسماعيل بأخيه فما يؤمنني أن يقبض رافع على إسماعيل ، ويتغلب على ما وراء النهر ؟
وإن لم يفعل ذلك ، ووفى لإسماعيل ، فلا يزال إسماعيل معترفا بأنه فقيد رافع وجريحه ، ويحتاج [ أن ] يتصرف على أمره ونهيه ، فاجتمعت برافع خلوة ، وقلت له : نصيحتك واجبة علي ، وقد ظهر لي من نصر ، وإسماعيل ما كان خفيا عني ، ولست آمنهما عليك ، والرأي أن لا تشاهد الحرب ، وتحملهما ( على الصلح ; فقبل ذلك ، فتصالحا ، وانصرف عنهما .
قال حمويه : ثم إنني أعلمت إسماعيل ) ، بعد ذلك الحال كيف كان ، فعذر رافعا في إلزامه بالصلح ، واستصوب فعل حمويه ، بقي نصر وإسماعيل مدة ، ثم عادت السعاة ، ففسد ما بينهما ، حتى تحاربا سنة خمس وسبعين ومائتين ، فظهر إسماعيل بأخيه نصر ، فلما حمل إليه ترجل له إسماعيل ، وقبل يديه ، ورده من موضعه إلى سمرقند ، وتصرف على النيابة عنه ببخارى .
وكان إسماعيل خيرا ، يحب أهل العلم والدين ، ويكرمهم ، وببركتهم دام ملكه وملك أولاده وطالت أيامهم .
حكى أبو الفضل محمد بن عبد الله البلعمي قال : سمعت الأمير يقول : كنت أبا إبراهيم إسماعيل بن أحمد بسمرقند ، فجلست يوما للمظالم ، وجلس أخي إسحاق إلى جانبي ، فدخل الفقيه الشافعي ، فقمت له إجلالا لعلمه ودينه ، فلما خرج عاتبني أخي أبو عبد الله محمد بن نصر إسحاق ، وقال : أنت أمير خراسان ، يدخل عليك رجل من رعيتك فتقوم له ، فتذهب السياسة بهذا .
قال : فبت تلك الليلة ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، في المنام وكأني [ ص: 327 ] واقف وأخي إسحاق ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ بعضدي فقال لي : يا إسماعيل ، ثبت ملكك وملك بيتك لإجلالك لمحمد بن نصر .
ثم التفت إلى إسحاق ، وقال : ذهب ملك إسحاق وملك بيته باستخفافه . بمحمد بن نصر
وكان هذا من العلماء بالفقه على مذهب الشافعي العاملين بعلمه ، المصنفين فيه ، وسافر إلى البلاد في طلب العلم ، وأخذ العلم محمد بن نصر بمصر من أصحاب الشافعي ، يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان ، ومحمد بن عبد الله بن الحكم ، وصحب ، وأخذ عنه علم المعاملة ، وبرز فيه أيضا . الحارث المحاسبي