ذكر العباس بن أحمد بن طولون على أبيه عصيان
وفيها عصى العباس بن أحمد بن طولون على أبيه ، وسبب ذلك أن أباه كان قد خرج إلى الشام ، واستخلف ابنه العباس ، كما ذكرناه ، فلما أبعد عن مصر حسن [ ص: 360 ] للعباس جماعة كانوا عنده أخذ الأموال ، والانشراح إلى برقة ، ففعل ذلك ، وأتى برقة في ربيع الأول .
وبلغ الخبر أباه ، فعاد إلى مصر ، وأرسل إلى ابنه ولاطفه ، واستعطفه ، فلم يرجع إليه ، وخاف من معه ، فأشار عليه بقصد إفريقية ، فسار إليها ، وكاتب وجوه البربر ، فأتاه بعضهم ، وامتنع بعضهم ، وكتب إلى يقول : إن أمير المؤمنين قد قلدني أمر إبراهيم بن الأغلب إفريقية وأعمالها ; ورحل ، حتى أتى حصن لبدة ، ففتحه أهله له ، فعاملهم أسوأ معاملة ، ونهبهم ، فمضى أهل الحصن إلى إلياس بن منصور النفوسي ، رئيس الإباضية هناك ، فاستعانوا به ، فغضب لذلك ، وسار إلى العباس ليقاتله .
وكان قد أرسل إلى عامل إبراهيم بن الأغلب طرابلس جيشا ، وأمره بقتال العباس ، فالتقوا ، واقتتلوا قتالا شديدا قاتل العباس فيه بيده ، فلما كان الغد وافاهم إلياس بن منصور الإباضي في اثني عشر ألفا من الإباضية ، فاجتمع هو وعامل طرابلس على قتال العباس ، فقتل من أصحابه خلق كثير ، وانهزم أقبح هزيمة ، وكاد يؤسر ، فخلصه مولى له ، ونهبوا سواده وأكثر ما حمله من مصر ، وعاد إلى برقة أقبح عود .
وشاع بمصر أن العباس انهزم ، فاغتم والده حتى ظهر عليه ، وسير إليه العساكر لما علم سلامته ، فقاتلوا قتالا صبر فيه الفريقان ، فانهزم العباس ومن معه ، وكثر القتلى في أصحابه ، وأخذ العباس أسيرا ، وحمل إلى أبيه ، فحبسه في حجرة إلى داره إلى أن قدم باقي الأسرى من أصحابه ، فلما قدموا أحضرهم أحمد عنده ، والعباس معهم ، فأمره أبوه أن يقطع أيدي أعيانهم وأرجلهم ، ففعل ، فلما فرغ منه وبخه أبوه وذمه وقال له : هكذا يكون الرئيس والمقدم ؟ كان الأحسن كنت ألقيت نفسك بين يدي ، وسألت الصفح عنك وعنهم ، فكان أعلى لمحلك ، وكنت قضيت حقوقهم فيما ساعدوك وفارقوا أوطانهم لأجلك .
ثم أمر به فضرب مائة مقرعة ، ودموعه تجري على خديه رقة لولده ، ثم رده إلى الحجرة واعتقله ، وذلك سنة ثمان وستين ومائتين .