ذكر محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجيان خروج
في هذه السنة خرج محمد بن عبادة ، ويعرف بأبي جوزة ، وهو من بني زهير من أهل قبراثا ، من البقعاء على هارون ، وكلاهما من الخوارج ، وكان أول أمره فقيرا ، وكان هو وابنان له يلتقطون الكمأة ويبيعونها ، إلى غير ذلك من الأعمال ، ثم إنه جمع جماعة ، وحكم ، فاجتمع إليه أهل تلك النواحي من الأعراب ، وقوي أمره ، وأخذ عشر الغلات ، وقبض الزكاة ، وسار إلى معلثايا ، فقاطعه أهلها على خمسمائة دينار ، ( وجبى تلك الأعمال ) ، وعاد وبنى عند سنجار حصنا ، وحمل إليه الأمتعة ، والميرة ، وجعل فيه ابنه أبا هلال ومعه مائة وخمسون رجلا من وجوه بني زهير ، وغيرهم .
ووصل خبرهم إلى هارون الشاري ، فاجتمع رأيه ورأي وجوه أصحابه على قصد الحصن أولا ، فإذا فرغوا منه ساروا إلى محمد بن عبادة ، فجمع أصحابه ، فبلغوا مائة راجل ، وألفا ومائتي فارس ، وسار إليه مبادرا ، وأحدق به وحصره ; ومحمد بن عبادة في [ ص: 477 ] قبراثا لا يعلم بذلك .
وجد هارون في قتال الحصن ، وكان معه سلاليم قد أخذها ، وزحف إليه وكان أصحابه قد منعوا أحدا يخرج رأسه من أعلى السور ، فلما رأى من معه من بني تغلب تغلبه على الحصن أعطوا من فيه من بني زهير الأمان بغير أمر هارون ، فشق عليه ، ولم يقدر على تغيير ذلك ، إلا أنه قتل أبا هلال بن محمد بن عبادة ، ونفرا معه قبل الأمان ، وفتحوا الحصن ، وملكوا ما فيه .
وساروا إلى محمد ، وهو بقبراثا ، فلقوه وهو في أربعة آلاف رجل فاقتتلوا ، فانهزم هارون ومن معه ، فوقف بعض أصحابه ونادى رجالا بأسمائهم فاجتمعوا نحو أربعين رجلا ، وحملوا على ميمنة محمد بن عبادة . فانهزمت الميمنة ، وعادت الحرب ، فانهزم محمد ومن معه ، ووضعوا السيف فيهم ، فقتلوا منهم ألفا وأربعمائة رجل ، وحجز بينهم الليل ، وجمع هارون ما لهم فقسمه بين أصحابه ، وانهزم محمد إلى آمد ، فأخذه صاحبها أحمد بن عيسى بن الشيخ ، بعد حرب ، فظفر به ، فأخذه أسيرا ، وسيره إلى المعتضد ، فسلخ جلده كما يسلخ الشاة .