قد ذكرنا سنة إحدى وستين ومائتين أن إبراهيم بن أحمد أمير إفريقية عهد إلى ولده أبي العباس عبد الله سنة تسع وثمانين ومائتين ، وتوفي فيها . فلما توفي والده قام [ ص: 529 ] بالملك بعده ، وكان أديبا لبيبا شجاعا أحد الفرسان المذكورين مع علمه بالحرب ، وتصرفها . وكان عاقلا عالما له نظر حسن في الجدل .
وفي أيامه عظم أمر أبي عبد الله الشيعي ، فأرسل أخاه الأحول ، ولم يكن أحول ، وإنما لقب بذلك لأنه كان إذا نظر دائما ربما كسر جفنه ، فلقب بالأحول ، إلى قتال أبي عبد الله الشيعي . فلما بلغه حركته خرج إليهم في جموع كثيرة ، والتقوا عند كموشة ، فقتل بينهم خلق عظيم ، وانهزم الأحول ، إلا أنه أقام في مقابلة أبي عبد الله .
وكان أبو العباس أيام أبيه على خوف شديد منه لسوء أخلاقه ، واستعمله أبوه على صقلية ففتح فيها مواضع متعددة ، وقد تقدم ذكر ذلك أيام والده .
ولما ولي أبو العباس إفريقية ، كتب إلى العمال كتابا يقرأ على العامة ، يعدهم فيه الإحسان ، والعدل ، والرفق ، والجهاد ، ففعل ما وعد من نفسه ، ( وأحضر جماعة من العلماء ليعينوه على أمر الرعية ) .
وله شعر ، فمن ذلك قوله بصقلية وقد شرب دواء :
شربت الدواء على غربة بعيدا من الأهل والمنزل وكنت إذا ما شربت الدوا
أطيب بالمسك والمندل
وقد صار شربي بحار الدما
ونقع العجاجة والقسطل
[ ص: 530 ] واتصل بأبي العباس عن ولده أبي مضر زيادة الله والي صقلية له اعتكافه على اللهو ، وإدمانه شرب الخمر ، فعزله وولى محمد ( بن ) السرقوسي ، وحبس ولده .
فلما كان ليلة الأربعاء آخر شعبان من سنة تسعين ومائتين قتل أبو العباس ، قتله ثلاثة نفر من خدمه الصقالبة بوضع من ولده ، وحملوا رأسه إلى ولده أبي مضر ، وهو في الحبس ، فقتل الخدم وصلبهم ، وكان هو الذي وضعهم ، فكانت إمارته سنة واثنتين وخمسين يوما .
وكان سكناه وقتله ، رحمه الله بمدينة تونس .
وكان كثير العدل ، أحضر جماعة كثيرة عنده ليعينوه على العدل ، ويعرفوه من أحوال الناس ما يفعل فيه ( على سبيل ) الإنصاف ، وأمر الحاكم في بلده أن يقضي عليه ، وعلى جميع أهله ، وخواص أصحابه ، ففعل ذلك .
ولما قتل ولي ابنه أبو مضر ، وكان من أمره ما نذكره سنة ست وتسعين ومائتين .