ذكر الحسن بن القاسم الداعي قتل
في هذه السنة قتل الحسن بن القاسم الداعي العلوي ، وقد ذكرنا استيلاء أسفار بن شيرويه الديلمي على طبرستان ، ومعه ، فلما استولوا عليها كان مرداويج الحسن بن القاسم بالري ، واستولى عليها ، وأخرج منها أصحاب السعيد نصر بن أحمد ، واستولى على قزوين ، وزنجان ، وأبهر ، وقم ، وكان معه ماكان بن كالي الديلمي ، فسار نحو طبرستان ، والتقوا هم وأسفار عند سارية ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم الحسن ( وماكان بن كالي فلحق الحسن فقتل ، وكان انهزام معظم أصحاب الحسن على تعمد ) منهم للهزيمة .
وسبب ذلك أنه كان يأمر أصحابه بالاستقامة ، ومنعهم عن ظلم الرعية ، وشرب [ ص: 727 ] الخمور ، وكانوا يبغضونه لذلك ، ثم اتفقوا على أن يستقدموا هروسندان وهو أحد رؤساء الجيل ، وكان خال مرداويج ووشمكير ، ليقدموه عليهم ، ويقبضوا على الحسن الداعي ، وينصبوا أبا الحسن بن الأطروش ، ويخطبوا له .
وكان هروسندان مع أحمد الطويل بالدامغان بعد موت صعلوك ، فوقف أحمد على ذلك ، فكتب إلى الحسن الداعي يعلمه ، فأخذ حذره ، فلما قدم هروسندان لقيه مع القواد ، وأخذهم إلى قصره بجرجان ليأكلوا طعاما ، ولم يعلموا أنه قد اطلع على ما عزموا عليه ، وكان قد وافق خواص أصحابه على قتلهم ، وأمرهم بمنع أصحاب أولئك القواد من الدخول ، فلما دخلوا داره قابلهم على ما يريدون [ أن ] يفعلوه ، وما أقدموا عليه من المنكرات التي أحلت له دماءهم ، ثم أمر بقتلهم عن آخرهم ، وأخبر أصحابهم الذين ببابه بقتلهم ، وأمرهم بنهب أموالهم ، فاشتغلوا بالنهب ، وتركوا أصحابهم ، وعظم قتلهم على أقربائهم ونفروا عنه ، فلما كانت هذه الحادثة تخلوا عنه حتى قتل .
ولما قتل استولى أسفار على بلاد طبرستان ، والري ، وجرجان ، وقزوين ، وزنجان ، وأبهر ، وقم ، والكرخ ، ودعا لصاحب خراسان ، وهو السعيد نصر بن أحمد ، وأقام بسارية ، واستعمل على آمل هارون بن بهرام ، وكان هارون يحتاج أن يخطب فيها لأبي جعفر العلوي ، وخاف أسفار ناحية أبي جعفر أن يجدد له فتنة وحربا ، فاستدعى هارون إليه ، وأمره أن يتزوج إلى أحد أعيان آمل ، ويحضر عرسه أبا جعفر وغيره من رؤساء العلويين ، ففعل ذلك في يوم ذكره أسفار ، ثم سار أسفار من سارية مجدا فوافى آمل وقت الموعد ، وهجم [ على ] دار [ ص: 728 ] هارون ( على حين ) غفلة ، وقبض على أبي جعفر وغيره من أعيان العلويين ، وحملهم إلى بخارى ، فاعتقلوا بها إلى أن خلصوا أيام فتنة أبي زكرياء ، على ما نذكره .
ولما فرغ أسفار من أمر طبرستان سار إلى الري ، وبها ماكان بن كالي ، فأخذها منه ، واستولى عليها ، وسار ماكان إلى طبرستان ، فأقام هناك . وأحب أسفار أن يستولي على قلعة ألموت ، وهي قلعة على جبل شاهق من حدود الديلم ، وكانت لسياه جشم بن مالك الديلمي ، ومعناه الأسود العين لأنه كان على إحدى عينيه شامة سوداء ، فراسله أسفار وهنأه ، فقدم عليه ، فسأله أن يجعل عياله في قلعة ألموت ، وولاه قزوين ، فأجابه إلى ذلك ، فنقلهم إليها ، ثم كان يرسل إليهم من يثق به من أصحابه ، فلما حصل فيها مائة رجل استدعاه من قزوين ، فلما حضر عنده قبض عليه ، وقتله بعد أيام .
وكان أسفار لما اجتاز بسمنان استأمن إليه ابن أمير كان صاحب جبل دنباوند ، وامتنع محمد بن جعفر السماني من النزول إليه ، وامتنع بحصن بقرية رأس الكلب ، فحقدها عليه أسفار ، فلما استولى على الري أنفذ إليه جيشا يحصرونه ، وعليهم إنسان يقال له عبد الملك ( الديلمي ، فحصروه ) ، ولم يمكنهم الوصول إليه ، فوضع عليه عبد الملك من يشير عليه بمصالحته ففعل ، وأجابه عبد الملك إلى المسألة ، ثم وضع عليه من يحسن له أن يضيف عبد الملك ، فأضافه ، فحضر في جماعة من شجعان أصحابه ، فتركهم تحت الحصن ، وصعد وحده إلى ، فتحادثا ساعة ، ثم استخلاه محمد بن جعفر عبد الملك ليشير إليه شيئا ففعل ذلك ، ولم يبق عندهما [ ص: 729 ] أحد غير غلام صغير ، فوثب عليه عبد الملك فقتله ، وكان محمد منقرسا زمنا ، وأخرج حبل إبريسم كان قد أعده فشده في نافذة في تلك الغرفة ونزل وتخلص .
واستغاث ذلك الغلام ، فجاء أصحاب وكسروا الباب ، وكان محمد بن جعفر عبد الملك قد أغلقه ، فلما دخلوا رأوه مقتولا ، فقتلوا به كل من عندهم من الديلم ، وحفظوا نفوسهم .
وعظمت جيوش أسفار وجل قدره ، فتجبر وعصى على الأمير السعيد ، صاحب خراسان ، وأراد أن يجعل على رأسه تاجا وينصب بالري سرير ذهب للسلطنة ، ويحارب الخليفة ، وصاحب خراسان ، فسير المقتدر إليه هارون بن غريب في عسكر نحو قزوين ، فحاربه أصحاب أسفار بها ، فانهزم هارون ، وقتل من أصحابه جمع كثير بباب قزوين ، وكان أهل قزوين قد ساعدوا أصحاب هارون ، فحقدها عليهم أسفار .
ثم إن الأمير السعيد ، صاحب خراسان ، سار من بخارى قاصدا نحو أسفار ليأخذ بلاده ، فبلغ نيسابور ، فجمع أسفار عسكره وأشار على أسفار وزيره مطرف بن محمد الجرجاني بمراسلة صاحب خراسان ، والدخول في طاعته وبذل المال له ، فإن أجاب ، وإلا فالحرب بين يديه .
وكان في عسكره جماعة من أتراك صاحب خراسان قد ساروا معه فخوفه وزيره منهم ، فرجع إلى رأيه وراسله ، فأبى أن يجيبه إلى ذلك ، وعزم على المسير إليه ، فأشار عليه أصحابه أن يقبل الأموال ، وإقامة الخطبة له وخوفوه الحرب وأنه لا يدري لمن النصر ، فرجع إلى قولهم ، وأجاب أسفار إلى ما طلب ، وشرط عليه شروطا من حمل الأموال وغير ذلك ، واتفقا فشرع أسفار بعد إتمام الصلح ، وقسط على الري وأعمالها ، على كل رجل دينارا ، سواء كان من أهل البلاد أم من المجتازين ، فحصل له مال عظيم أرضى صاحب خراسان ببعضه ، ورجع عنه .
[ ص: 730 ] فعظم أمر أسفار خلاف ما كان ، وزاد تجبره ، وقصد قزوين لما في نفسه على أهلها ، فأوقع بهم وقعة عظيمة أخذ فيها أموالهم ، وعذبهم ، وقتل كثيرا منهم ، وعسفهم عسفا شديدا ، وسلط الديلم عليهم ، فضاقت الأرض عليهم ، وبلغت القلوب الحناجر ، وسمع مؤذن الجامع يؤذن ، فأمر به فألقي من المنارة إلى الأرض ، فاستغاث الناس من شره وظلمه ، وخرج أهل قزوين إلى الصحراء : الرجال ، والنساء ، والولدان يتضرعون ويدعون عليه ويسألون الله كشف ما هم فيه ، فبلغه ذلك ، فضحك منهم ، وشتمهم استهزاء بالدعاء فلما كان الغد انهزم على ما نذكره .