ذكر ( والروم ) الحروب بين المسلمين
في هذه السنة ، في ربيع الأول ، غزا ثمل والي طرسوس بلاد الروم ، فعبر نهرا ، ونزل عليهم ( ثلج إلى ) صدور الخيل ، وأتاهم جمع كثير من الروم ، فواقعوهم ، فنصر الله المسلمين . فقتلوا من الروم ستمائة ، وأسروا نحوا من ثلاثة آلاف ، وغنموا من الذهب والفضة والديباج وغيره شيئا كثيرا .
وفيها في رجب عاد ثمل ( إلى طرسوس ) ، ودخل بلاد الروم صائفة في جمع كثير من الفارس والراجل ، فبلغوا عمورية ، وكان قد تجمع إليها كثير من الروم ، ففارقوها لما سمعوا خبر ثمل ، ودخلها المسلمون ، فوجدوا فيها من الأمتعة والطعام شيئا كثيرا فأخذوه وأحرقوا ما كانوا عمروه منها ، وأوغلوا في بلاد الروم ( ينهبون ، ويقتلون ، ويخربون ) ، حتى بلغوا أنقرة ، ( وهي التي تسمى الآن أنكورية ) ، وعادوا سالمين لم يلقوا كيدا ، فبلغت قيمة السبي مائة ألف دينار وستة وثلاثين ألف دينار ، وكان وصولهم إلى طرسوس آخر رمضان .
[ ص: 764 ] وفيها كاتب ابن الديراني وغيره من الأرمن ، وهم بأطراف أرمينية الروم ، ( وحثوهم على قصد ) بلاد الإسلام ، ووعدهم النصرة ، فسارت الروم في خلق كثير ، فخربوا بزكرى وبلاد خلاط وما جاورها ، وقتل من المسلمين خلق كثير ، وأسروا كثيرا ( منهم ، فبلغ خبرهم مفلحا ) غلام يوسف بن أبي الساج ، وهو والي أذربيجان ، فسار في عسكر كبير ، وتبعه كثير من المتطوعة إلى أرمينية ، فوصلها في رمضان ، وقصد بلد ابن الديراني ومن وافقه لحربه ، وقتل أهله ، ونهب أموالهم ، وتحصن ابن الديراني ( بقلعة له ) ، وبالغ الناس في كثرة القتلى من الأرمن ، وحتى قيل إنهم كانوا مائة ألف قتيل ، والله أعلم .
وسارت عساكر الروم إلى سميساط فحصروها ، فاستصرخ أهلها بسعيد بن حمدان ، وكان المقتدر قد ولاه الموصل وديار ربيعة ، وشرط عليه غزو الروم ، وأن يستنقذ ملطية منهم ، وكان أهلها قد ضعفوا ، فصالحوا الروم ، وسلموا مفاتيح البلد إليهم ، فحكموا على المسلمين ، ( فلما جاء رسول أهل سميساط إلى سعيد بن حمدان تجهز وسار إليهم مسرعا ، فوصل وقد كان الروم يفتحونها ، فلما قاربهم هربوا منه ، وسار منها إلى ملطية وبها جمع من الروم ومن عسكر مليح الأرمني ومعه بني بن نفيس ، صاحب [ ص: 765 ] المقتدر ، وكان قد تنصر ، وهو مع الروم ، فلما أحسوا بإقبال سعيد خرجوا منها ، وخافوا أن يأتيهم في عسكره من خارج المدينة ، ويثور أهلها بهم فيهلكوا ، ففارقوها .
ودخلها سعيد ثم استخلف عليها أميرا ، ( وعاد عنها ) ، فدخل بلد الروم غازيا في شوال ، وقدم بين يديه سريتين فقتلتا من الروم خلقا كثيرا قبل دخوله إليها .