كانت الأوس قد طلبت من قريظة والنضير أن يحالفوهم على الخزرج ، فبلغ ذلك الخزرج فأرسلوا إليهم يؤذنونهم بالحرب ، فقالت اليهود : إنا لا نريد ذلك فأخذت الخزرج رهنهم على الوفاء ، وهم أربعون غلاما من قريظة والنضير ، ثم إن يزيد بن فسحم شرب يوما فسكر فتغنى بشعر يذكر فيه ذلك :
هلم إلى الأحلاف إذ رق عظمهم وإذ أصلحوا مالا لجذمان ضائعا إذا ما امرؤ منهم أساء عمارة
بعثنا عليهم من بني العير جادعا فأما الصريخ منهم فتحملوا
وأما اليهود فاتخذنا بضائعا أخذنا من الأولى اليهود عصابة
لغدرهم كانوا لدينا ودائعا
[ ص: 601 ] فذلوا لرهن عندنا في جبالنا
مصانعة يخشون منا القوارعا وذاك بأنا حين نلقى عدونا
نصول بضرب يترك العز خاشعا
فبلغ قوله قريظة والنضير فغضبوا . وقال كعب بن أسد : نحن كما قال إن لم نغر ، فخالف الأوس على الخزرج . فلما سمعت الخزرج بذلك قتلوا كل من عندهم من الرهن من أولاد قريظة والنضير . فأطلقوا نفرا ، منهم : سليم بن أسد القرظي جد محمد بن كعب بن سليم . واجتمعت الأوس وقريظة والنضير على حرب الخزرج فاقتتلوا قتالا شديدا ، وسمي ذلك الفجار الثاني لقتل الغلمان من اليهود .
وقد قيل في قتل الغلمان غير هذا ، وهو : إن عمرو بن النعمان البياضي الخزرجي قال لقومه بني بياضة : إن أباكم أنزلكم منزلة سوء ، والله لا يمس رأسي ماء حتى أنزلكم منازل قريظة والنضير أو أقتل رهنهم ! وكانت منازل قريظة والنضير خير البقاع ، فأرسل إلى قريظة والنضير : إما أن تخلوا بيننا وبين دياركم ، وإما أن نقتل الرهن . فهموا بأن يخرجوا من ديارهم ، فقال لهم كعب بن أسد القرظي : يا قوم امنعوا دياركم وخلوه يقتل الغلمان ، ما هي إلا ليلة يصيب فيها أحدكم امرأة حتى يولد له مثل أحدهم . فأرسلوا إليهم : إنا لا ننتقل عن ديارنا فانظروا في رهننا فعوا لنا . فعدا عمرو بن النعمان على رهنهم فقتلهم ، وخالفه عبد الله بن أبي بن سلول فقال : هذا بغي وإثم ، ونهاه عن قتلهم وقتال قومه من الأوس وقال له : كأني بك وقد حملت قتيلا في عباءة يحملك أربعة رجال . فلم يقتل هو ومن أطاعه أحدا من الغلمان وأطلقوهم ، ومنهم : سليم بن أسد جد محمد بن كعب . وحالفت حينئذ قريظة والنضير والأوس على الخزرج ، وجرى بينهم قتال سمي ذلك اليوم يوم الفجار الثاني . وهذا القول أشبه بأن يسمى اليوم فجارا ، وأما على القول الأول فإنما قتلوا الرهن جزاء الغدر من اليهود فليس بفجار من الخزرج إلا أن يسمى فجارا لغدر اليهود .