ذكر عبد الرحمن طغايرك وعباس صاحب الري قتل
في هذه السنة قتل السلطان مسعود أمير حاجب عبد الرحمن طغايرك ، وهو صاحب خلخال وبعض أذربيجان والحاكم في دولة السلطان ، وليس للسلطان معه حكم .
وكان سبب قتله أن السلطان لما ضيق عليه عبد الرحمن بقي معه شبه الأسير ، ليس له في البلاد حكم ، حتى إن عبد الرحمن قصد غلاما كان للسلطان ، وهو بك أرسلان ، المعروف بخاص بك بن بلنكري ، وقد رباه السلطان وقربه فأبعده عنه ، وصار لا يراه ، وكان في [ خاص ] بك عقل وتدبير وجودة قريحة ، وتوصل لما يريد أن [ ص: 147 ] يفعله ، فجمع عبد الرحمن العساكر ، وخاص بك فيهم ، وقد استقر بينه وبين السلطان مسعود أن يقتل عبد الرحمن ، فاستدعى خاص بك جماعة من يثق بهم ، وتحدث معهم في ذلك ، فكل منهم خاف الإقدام عليه ، إلا رجلا اسمهزنكي ، وكان جاندارا ، فإنه بذل من نفسه أن يبدأه بالقتل ، ووافق خاص بك على القيام في الأمر جماعة من الأمراء ، فبينما عبد الرحمن في موكبه ضربه زنكي الجاندار بمقرعة حديد كانت في يده على رأسه ، فسقط إلى الأرض ، فأجهز عليه خاص بك ، وأعانه على حماية زنكي والقائمين معه من كان واطأه على ذلك من الأمراء ، وكان قتله بظاهر جنزة .
وبلغ الخبر إلى السلطان مسعود ، وهو ببغداد ، ومعه الأمير عباس صاحب الري ، وعسكره أكثر من عسكر السلطان ، فأنكر ذلك ، وامتعض منه ، فداراه السلطان ولطف به ، واستدعى الأمير البقش كون خر من اللحف وتتر الذي كان حاجبا ، فلما قوي بهما أحضر عباسا إليه في داره ، فلما دخل إليه منع أصحابه من الدخول معه ، وعدلوا به إلى حجرة ، وقالوا له : اخلع الزردية ; فقال : إن لي مع السلطان أيمانا وعهودا ; فلكموه ، وخرج له غلمان أعدوا لذلك ، فحينئذ تشاهد وخلع الزردية وألقاها ، وضربوه بالسيوف ، واحتزوا رأسه وألقوه إلى أصحابه ، ثم ألقوا جسده ، ونهب رحله وخيمه وانزعج البلد لذلك .
وكان عباس من غلمان محمود حسن السيرة ، عادلا في رعيته ، كثير الجهاد للباطنية ، قتل منهم خلقا كثيرا ، وبنى من رءوسهم منارة بالري ، وحصر قلعة ألموت ، ودخل إلى قرية من قراهم فألقى فيها النار فأحرق كل من فيها من رجل وامرأة وصبي وغير ذلك ، فلما قتل [ دفن ] بالجانب الغربي ، ثم أرسلت ابنته فحملته إلى الري فدفنته هناك ، وكان مقتله في ذي القعدة .
ومن الاتفاق العجيب أن العبادي كان يعظ يوما ، فحضره عباس ، فأسمع بعض أهل المجلس ورمى بنفسه نحو الأمير عباس ، فضربه أصحابه ومنعوه خوفا عليه لأنه كان شديد احتراس من الباطنية لا يزال لابسا الزردية لا تفارقه الغلمان الأجلاد ، فقال له العبادي : يا أمير ، إلام هذا الاحتراز ! والله لئن قضي عليك بأمر لتحلن أنت بيدك أزرار الزردية فينفذ القضاء فيك .
[ ص: 148 ] وكان كما قال ، وقد كان السلطان استوزر ابن دارست وزير بوزابة ، [ كارها على ما تقدم ذكره ، فعزله الآن لأنه اختار العزل والعود إلى صاحبه بوزابة ] فلما عزله قرر معه أن يصلح له بوزابة ، ويزيل ما عنده من الاستشعار بسبب قتل عبد الرحمن وعباس ، فسار الوزير وهو لا يعتقد النجاة ، فوصل إلى بوزابة وكان ما نذكره .