لما أنفذ غياث الدين إلى أخيه شهاب الدين يطلب إنفاذ إليه أمره خسروشاه شهاب الدين بالتجهز والمسير ، فقال : أنا لا أعرف أخاك ، ولا لي حديث إلا معك ، ولا يمين إلا في عنقك ، فمناه وطيب قلبه ، وجهزه وسيره وسير معه ولده ، وأصحبهما جيشا يحفظونهما ، فسارا كارهين ; فلما بلغا فرشابور خرج أهلها إليهما يبكون ويدعون لهما ، فزجرهم الموكلون بهما ، وقالوا : سلطان يزور سلطانا آخر ، لأي شيء تبكون ؟ وضربوهم فعادوا ، وخرج ولد خطيبها إلى عن أبيه متوجعا له ، قال : فلما دخلت عليه أعلمته رسالة أبي ، وقلت : إنه قد اعتزل الخطابة ، ولا حاجة به إلى خدمة غيركم . فقال لي : سلم عليه . وأعطاني فرجية فوطا ومصلى من عمل الصوفية ، وقال : هذه تذكرة أبيه عند أبي ، فسلمها إليه وقل له : در مع الدهر كيفما دار ; وأنشد بلسان فصيح : خسروشاه
وليس كعهد الدار يا أم مالك ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
قال : فانصرفت إلى أبي وعرفته الحال ، فبكى ، وقال : قد أيقن الرجل بالهلاك ; ثم رحلوا . فلما بلغوا بلد الغور لم يجتمع بهما غياث الدين بل أمر بهما فرفعا إلى بعض القلاع ، فكان آخر العهد بهما .
وهو آخر ملوك آل سبكتكين ، وكان ابتداء دولتهم سنة ست وستين وثلاثمائة ، فتكون مدة ولايتهم مائتي سنة وثلاث عشرة سنة تقريبا . وكان ملوكهم من أحسن الملوك سيرة ، ولاسيما جده محمود ، فإن آثاره في الجهاد معروفة ، وأعماله للآخرة مشهورة :
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
فتبارك الذي لا يزول ملكه ، ولا تغيره الدهور ، فأف لهذه الدنيا الدنية ، كيف تفعل هذا بأبنائها ، نسأل الله تعالى أن يكشف عن قلوبنا حتى نراها بعين الحقيقة ، وأن يقبل بنا إليه ، وأن يشغلنا به عما سواه ، إنه على كل شيء قدير .
هكذا ذكر بعض فضلاء خراسان أن آخر ملوك خسروشاه آل سبكتكين ، وقد ذكر غيره أنه توفي في الملك ، وملك بعده ابنه ملكشاه ، وسنذكره في سنة [ ص: 194 ] تسع وخمسين وخمسمائة ، وبالجملة فابتداء دولة الغورية عندي فيه خلف لو ينكشف الحق فأصلحه إن شاء الله تعالى .