ذكر المستنجد بالله
وفي هذه السنة بويع خلافة أمير المؤمنين ، واسمه المستنجد بالله يوسف ، وأمه أم ولد تدعى طاوس ، بعد موت والده ، وكان للمقتفي حظية ، وهي أم ولده أبي علي ، فلما اشتد مرض المقتفي وأيست منه أرسلت إلى جماعة من الأمراء وبذلت لهم الإقطاعات الكثيرة والأموال الجزيلة ليساعدوها على أن يكون ولدها الأمير أبو علي خليفة ، قالوا : كيف الحيلة مع ولي العهد ؟ فقالت : إذا دخل على والده قبضت عليه ، وكان يدخل على أبيه كل يوم ، فقالوا : لا بد لنا من أحد من أرباب الدولة ، فوقع اختيارهم على أبي المعالي ابن إلكيا الهراسي ، فدعوه إلى ذلك ، فأجابهم على أن يكون وزيرا ، فبذلوا له ما طلب .
فلما استقرت القاعدة بينهم وعلمت أم أبي علي أحضرت عدة من الجواري وأعطتهن السكاكين ، وأمرتهن بقتل ولي العهد . وكان له خصي صغير يرسله كل وقت يتعرف أخبار والده ، فرأى الجواري بأيديهن السكاكين ، ورأى بيد المستنجد بالله أبي علي وأمه سيفين ، فعاد إلى المستنجد فأخبره ، وأرسلت هي إلى المستنجد تقول له إن والده قد حضره الموت ليحضر ويشاهده ، فاستدعى أستاذ الدار عضد الدين وأخذه معه وجماعة من الفراشين ، ودخل الدار وقد لبس الدرع وأخذ بيده السيف ، فلما دخل ثار به الجواري ، فضرب واحدة منهن فجرحها ، وكذلك أخرى ، فصاح ، ودخل أستاذ الدار ومعه الفراشون ، فهرب الجواري ، وأخذ أخاه أبا علي وأمه فسجنهما ، وأخذ الجواري فقتل منهن ، وغرق منهن ، ودفع الله عنه .
فلما توفي جلس للبيعة ، فبايعه أهله وأقاربه ، وأولهم عمه المقتفي لأمر الله أبو [ ص: 272 ] طالب ، ثم أخوه أبو جعفر بن المقتفي ، وكان أكبر من المستنجد ، ثم بايعه الوزير ابن هبيرة ، وقاضي القضاة ، وأرباب الدولة والعلماء ، وخطب له يوم الجمعة ، ونثرت الدنانير والدراهم .
حكى عنه أنه قال : رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في المنام منذ خمس عشرة سنة ، وقال لي : يبقى أبوك في الخلافة خمس عشرة سنة ، فكان كما قال ، صلى الله عليه وسلم . قال : ثم رأيته قبل موت أبي الوزير عون الدين بن هبيرة المقتفي بأربعة أشهر ، فدخل بي في باب كبير ، ثم ارتقى إلى رأس جبل ، وصلى بي ركعتين ، ثم ألبسني قميصا ، ثم قال لي : قل " " ، وذكر دعاء القنوت . اللهم اهدني فيمن هديت
ولما ولي الخلافة أقر ابن هبيرة على وزراته وأصحاب الولايات على ولاياتهم ، وأزال المكوس والضرائب ، وقبض على القاضي ابن المرخم وقال : وكان بئس الحاكم ، وأخذ منه مالا كثيرا ، وأخذت كتبه فأحرق منها في الرحبة ما كان من علوم الفلاسفة ، فكان منها : كتاب " الشفاء " ، وكتاب " إخوان الصفا " ، وما شاكلهما ، وقدم لابن سينا عضد الدين بن رئيس الرؤساء ، وكان أستاذ الدار يمكنه ، وتقدم إلى الوزير أن يقوم له ، وعزل قاضي القضاة أبا الحسن علي بن أحمد الدامغاني ، ورتب مكانه أبا جعفر عبد الواحد الثقفي ، وخلع عليه .