ذكر سليمان شاه والخطبة لأرسلان قتل
في هذه السنة ، في ربيع الآخر ، قتل السلطان سليمان شاه ابن السلطان محمد بن [ ص: 279 ] ملكشاه ، وسبب ذلك أنه كان فيه تهور وخرق ، وبلغ به شرب الخمر حتى إنه شربها في رمضان نهارا ، وكان يجمع المساخر ولا يلتفت إلى الأمراء ، فأهمل العسكر أمره ، وصاروا لا يحضرون بابه ، وكان قد رد جميع الأمور إلىشرف الدين كردبازو الخادم ، وهو من مشايخ الخدم السلجوقية يرجع إلى دين وعقل وحسن تدبير ، فكان الأمراء يشكون إليه وهو يسكنهم .
فاتفق أنه شرب يوما بظاهر همذان في الكشك فحضر عنده كردبازو ، فلامه على فعله ، فأمر سليمان شاه من عنده من المساخرة فعبثوا بكردبازو ، حتى إن بعضهم كشف له سوءته ، فخرج مغضبا ، فلما صحا سليمان أرسل إليه يعتذر ، فقبل عذره ، إلا أنه تجنب الحضور عنده ، فكتب سليمان إلى إينانج صاحب الري يطلب منه أن ينجده على كردبازو ، فوصل الرسول وإينانج مريض ، فأعاد الجواب يقول : إذا أفقت من مرضي حضرت عندك بعسكري ، فبلغ كردبازو ، فازداد استيحاشا ، فأرسل إليه سليمان يوما يطلبه ، فقال : إذا جاء إينانج حضرت ، وأحضر الأمراء واستحلفهم على طاعته ، وكانوا كارهين لسليمان ، فحلفوا له ، فأول ما عمل أن قتل المساخرة الذين لسليمان ، وقال : إنما أفعل ذلك صيانة لملكك ، ثم اصطلحا ، وعمل كردبازو دعوة عظيمة حضرها السلطان والأمراء ، فلما صار السلطان سليمان شاه في داره قبض عليه كردبازو وعلى وزيره ابن القاسم محمود بن عبد العزيز الحامدي ، وعلى أصحابه ، في شوال سنة خمس وخمسين وخمسمائة ، فقتل وزيره وخواصه ، وحبس سليمان شاه في قلعة ، ثم أرسل إليه من خنقه ، وقيل بل حبسه في دار مجد الدين العلوي رئيس همذان ، وفيها قتل ، وقيل بل سقي سما فمات ، والله أعلم .
وأرسل إلى إيلدكز ، صاحب أران وأكثر بلاد أذربيجان ، يستدعيه إليه ليخطب للملك أرسلان شاه الذي معه ، وبلغ الخبر إلى إينانج صاحب الري ، فسار ينهب البلاد إلى أن وصل إلى همذان ، فتحصن كردبازو ، فطلب منه إينانج أن يعطيه مصافا ، فقال : [ ص: 280 ] أنا لا أحاربك حتى يصل الأتابك الأعظم إيلدكز .
[ وسار إيلدكز ] في عساكره جميعها يزيد على عشرين ألف فارس ، ومعه أرسلان شاه بن طغرل بن محمد بن ملكشاه ، فوصل إلى همذان ، فلقيهم كردبازو ، وأنزله دار المملكة ، وخطب لأرسلان شاه بالسلطنة بتلك البلاد ، وكان إيلدكز قد تزوج بأم أرسلان شاه ، وهي أم ، وكان البهلوان بن إيلدكز إيلدكز أتابكه ، والبهلوان حاجبه ، وهو أخوه لأمه ، وكان إيلدكز هذا أحد مماليك السلطان مسعود واشتراه في أول أمره ، فلما ملك أقطعه أران وبعض أذربيجان ، واتفق الحروب والاختلاف ، فلم يحضر عنده أحد من السلاطين السلجوقية ، وعظم شأنه وقوي أمره ، وتزوج بأم الملك أرسلان شاه ، فولدت له أولادا منهم البهلوان محمد ، وقزل أرسلان عثمان .
وقد ذكرنا سبب انتقال أرسلان شاه إليه ، وبقي عنده إلى الآن ، فلما خطب له بهمذان أرسل إيلدكز إلى بغداد يطلب الخطبة لأرسلان شاه أيضا ، وأن تعاد القواعد إلى ما كانت عليه أيام السلطان مسعود ، فأهين رسوله وأعيد إليه على أقبح حالة ، وأما إينانج صاحب الري فإن إيلدكز راسله ولاطفه فاصطلحا وتحالفا على الاتفاق ، وتزوج بابنة البهلوان بن إيلدكز إينانج ونقلت إليه بهمذان .