ذكر إيلدكز وإينانج الحرب بين
لما مات ملكشاه ابن السلطان محمود ، كما ذكرناه ، أخذ طائفة من أصحابه ابنه محمودا وانصرفوا به نحو بلاد فارس ، فخرج عليهم صاحبها زنكي بن دكلا السلغري ، فأخذه منهم وتركه في قلعة إصطخر ، فلما ملك إيلدكز والسلطان أرسلان شاه الذي معه البلاد ، وأرسل إيلدكز إلى بغداد يطلب الخطبة للسلطان ، كما ذكرناه ، شرع ، وزير الخليفة ، في إثارة أصحاب الأطراف عليه ، وراسل الأحمديلي ، وكان ما ذكرناه ، وكاتب الوزير عون الدين أبو المظفر يحيى بن هبيرة زنكي بن دكلا صاحب بلاد فارس يبذل له أن يخطب للملك الذي عنده ، وهو ابن ملكشاه ، وعلق الخطبة له بظفره بإيلدكز ، فخطب ابن دكلا للملك الذي عنده وأنزله من القلعة ، وضرب الطبل على بابه خمس نوب ، وجمع عساكره وكاتب إينانج صاحب الري يطلب منه الموافقة .
وسمع إيلدكز الخبر ، فحشد وجمع ، وكثر عسكره وجموعه فكانت أربعين ألفا ، وسار إلى أصفهان يريد بلاد فارس ، وأرسل إلى زنكي بن دكلا يطلب منه الموافقة [ على ] أن يعود يخطب لأرسلان شاه ، فلم يفعل ، وقال : إن الخليفة قد أقطعني بلاده وأنا سائر إليه ، فرحل إيلدكز ، وبلغه أن جشيرا لأرسلان بوقا ، وهو أمير من أمراء زنكي ، وفي أقطاعه أرجان ، بالقرب منه ، فأنفذ سرية للغارة عليه ، فاتفق أن أرسلان بوقا عزم على تغيير الخيل التي معه لضعفها ، وأخذ عوضها من ذلك الجشير ، فسار في عسكره إلى الجشير ، فصادف العسكر الذي سيره إيلدكز لأخذ دوابه ، فقاتلهم وأخذهم وقتلهم ، وأرسل الرءوس إلى صاحبه ، فكتب بذلك إلى بغداد ، وطلب المدد ، فوعد بذلك .
[ ص: 282 ] وكان الوزير عون الدين أيضا قد كاتب الأمراء الذين مع إيلدكز يوبخهم على طاعته ، ويضعف رأيهم ، ويحرضهم على مساعده زنكي ابن دكلا وإينانج ، وكان إينانج قد برز من الري في عشرة آلاف فارس ، فأرسل إليه ابن آقنسقر الأحمديلي خمسة آلاف فارس ، وهرب ابن البازدار ، صاحب قزوين ، وابن طغيرك وغيرهما ، فلحقوا بإينانج وهو في صحراء ساوة .
وأما إيلدكز فإنه استشار نصحاءه ، فأشاروا بقصد إينانج لأنه أهم ، فرحل إليه ، ونهب زنكي بن دكلا سهيرم وغيرها ، فرد إيلدكز إليه أميرا في عشرة آلاف فارس لحفظ البلاد . فسار زنكي إليهم ، فلقيهم وقاتلهم ، فانهزم عسكر إيلدكز إليه ، فتجلد لذلك وأرسل يطلب عساكر أذربيجان ، فجاءته مع ولده . قزل أرسلان
وسير زنكي بن دكلا عسكرا كثيرا إلى إينانج ، واعتذر عن الحضور بنفسه عنده لخوفه على بلاده من شملة ، صاحب خوزستان ، فسار إيلدكز إلى إينانج وتدانى العسكران ، فالتقوا تاسع شعبان وجرى بينهم حرب عظيمة أجلت عن هزيمة إينانج ، فانهزم أقبح هزيمة وقتلت رجاله ونهبت أمواله ، ودخل الري ، وتحصن في قلعة طبرك ، وحصر إيلدكز الري ، ثم شرع في الصلح ، واقترح إينانج اقتراحات ، فأجابه إيلدكز إليها ، وأعطاه جرباذقان وغيرها ، وعاد إيلدكز إلى همذان ، كان ينبغي أن تتأخر هذه الحادثة والتي قبلها ، وإنما قدمت لتتبع أخواتها .