ذكر والكرج الحرب بين المسلمين
في هذه السنة ، في شعبان ، اجتمعت الكرج في خلق كثير يبلغون ثلاثين ألف مقاتل ، ودخلوا بلاد الإسلام ، وقصدوا مدينة دوين من أذربيجان ، فملكوها ونهبوها ، وقتلوا من أهلها وسوادها نحو عشرة آلاف قتيل ، وأخذوا النساء سبايا ، وأسروا كثيرا ، وأعروا النساء وقادوهن حفاة عراة ، وأحرقوا الجوامع والمساجد ، فلما وصلوا إلى بلادهم أنكر نساء الكرج ما فعلوا بنساء المسلمين ، وقلن لهم : قد أحوجتم المسلمين إلى أن يفعلوا بنا مثل ما فعلتم بنسائهم ، وكسونهن .
ولما بلغ الخبر إلى شمس الدين إيلدكز ، صاحب أذربيجان والجبل وأصفهان ، جمع عساكره وحشدها ، وانضاف إليه شاه أرمن بن سكمان القطبي ، صاحب خلاط ، وابن آقنسقر ، صاحب مراغة وغيرها ، فاجتمعوا في عسكر كثير يزيدون على خمسين ألف مقاتل ، وساروا إلى بلاد الكرج في صفر سنة ثمان وخمسين [ وخمسمائة ] ونهبوها ، [ ص: 295 ] وسبوا النساء والصبيان ، وأسروا الرجال ، ولقيهم الكرج ، واقتتلوا أشد قتال صبر فيه الفريقان ، ودامت الحرب بينهم أكثر من شهر ، وكان الظفر للمسلمين ، فانهزم الكرج وقتل منهم كثير وأسر كذلك .
وكان سبب الهزيمة أن بعض الكرج حضر عند إيلدكز ، فأسلم على يديه ، وقال له : تعطيني عسكرا حتى أسير بهم في طريق أعرفها ، وأجيء إلى الكرج من ورائهم وهم لا يشعرون ! فاستوثق منه ، وسير معه عسكرا ، وواعده يوما يصل فيه إلى الكرج ، فلما كان ذلك اليوم قاتل المسلمون الكرج ، فبينما هم في القتال وصل ذلك الكرجي ، الذي أسلم ومعه العسكر ، وكبروا وحملوا على الكرج من ورائهم ، فانهزموا ، وكثر القتل فيهم والأسر ، وغنم المسلمون من أموالهم ما لا يدخل تحت الإحصاء لكثرته ، فإنهم كانوا متيقنين الظفر لكثرتهم ، فخيب الله ظنهم ، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ثلاثة أيام بلياليها ، وعاد المسلمون منصورين قاهرين .