ذكر سيف الدين البلاد الجزرية ملك
كان نور الدين قبل أن يمرض قد أرسل إلى البلاد الشرقية ، الموصل وديار [ ص: 397 ] الجزيرة وغيرها ، يستدعي العساكر منها للغزاة ، والمراد غيرها ، وقد تقدم ذكره ، فسار سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن زنكي ، صاحب الموصل ، في عساكره ، وعلى مقدمته الخادم سعد الدين كمشتكين الذي كان قد جعله نور الدين بقلعة الموصل مع سيف الدين ، فلما كانوا ببعض الطريق وصلت الأخبار بوفاة نور الدين ، فأما سعد الدين فإنه كان في المقدمة ، فهرب جريدة .
وأما سيف الدين فأخذ كل ما كان له من برك وغيره ، وعاد إلى نصيبين فملكها ، وأرسل الشحن إلى الخابور فاستولوا عليه ، وأقطعه ، وسار هو إلى حران فحصرها عدة أيام ، وبها مملوك لنور الدين يقال له قايماز الحراني ، فامتنع بها ، وأطاع بعد ذلك على أن تكون حران له ، ونزل إلى خدمة سيف الدين ، فقبض عليه وأخذ حران منه ، وسار إلى الرها فحصرها وملكها ، وكان بها خادم خصي أسود لنور الدين فسلمها وطلب عوضها قلعة الزعفران من أعمال جزيرة ابن عمر ، فأعطيها ، ثم أخذت منه ، ثم صار إلى أن يستعطي ما يقوته .
وسير سيف الدين إلى الرقة فملكها ، وكذلك سروج ، واستكمل ملك جميع بلاد الجزيرة سوى قلعة جعبر ، فإنها كانت منيعة ، وسوى رأس عين ، فإنها كانت لقطب الدين ، صاحب ماردين ، وهو ابن خال سيف الدين ، فلم يتعرض إليها .
وكان شمس الدين علي ابن الداية ، وهو أكبر الأمراء النورية ، بحلب مع عساكرها ، فلم يقدر على العبور إلى سيف الدين ليمنعه من أخذ البلاد ، لفالج كان به ، فأرسل إلى دمشق يطلب الملك الصالح ، فلم يرسل إليه ، لما ذكرناه ، ولما ملك سيف الدين الديار الجزرية قال له فخر الدين عبد المسيح ، وكان قد وصل إليه من سيواس بعد موت نور الدين ، وهو الذي أقر له الملك بعد أبيه قطب الدين ، فظن أن سيف الدين يرعى له ذلك ، فلم يجن ثمرة ما غرس ، وكان عنده كبعض الأمراء ، قال له : الرأي أن تعبر إلى الشام فليس به مانع ، فقال له أكبر أمرائه ، وهو أمير يقال له عز الدين محمود المعروف بزلفندار : قد ملكت أكثر ما كان لأبيك ، والمصلحة أن تعود ، فرجع إلى قوله ، وعاد إلى الموصل ليقضي الله أمرا كان مفعولا .