[ ص: 468 ] ذكر بالفرنج في بحر عيذاب الظفر
في هذه السنة عمل البرنس صاحب الكرك أسطولا ، وفرغ منه بالكرك ، ولم يبق إلا جمع قطعه بعضها إلى بعض ، وحملها إلى بحر أيلة ، وجمعها في أسرع وقت .
وفرغ منها وشحنها بالمقاتلة وسيرها ، فساروا في البحر ، وافترقوا فرقتين : فرقة أقامت على حصن أيلة وهو للمسلمين يحصرونه ، ويمنع أهله من ورود الماء ، فنال أهله شدة شديدة وضيق عظيم ، أما الفرقة الثانية فإنهم ساروا نحو عيذاب ، وأفسدوا في السواحل ، ونهبوا وأخذوا ما وجدوا من المراكب الإسلامية ومن فيها من التجار ، وبغتوا الناس في بلادهم على حين غفلة منهم ، فإنهم لم يعهدوا بهذا البحر فرنجيا قط لا تاجرا ولا محاربا .
وكان بمصر ينوب عن أخيه الملك العادل أبو بكر بن أيوب صلاح الدين ، فعمر أسطولا وسيره ، وفيه جمع كثير من المسلمين ، ومقدمهم حسام الدين لؤلؤ ، وهو متولي الأسطول بديار مصر ، وكان مظفرا فيه ، شجاعا ، كريما ، فسار لؤلؤ مجدا في طلبهم ، فابتدأ بالذين على أيلة فانقض عليهم انقضاض العقاب على صيدها ، فقاتلهم ، فقتل بعضهم ، وأسر الباقي ، وسار من وقته بعد الظفر يقص أثر الذين قصدوا عيذاب ، فلم يرهم ، وكانوا قد أغاروا على ما وجدوه بها ، وقتلوا من لقوه عندها ، وساروا إلى غير ذلك المرسى ليفعلوا كما فعلوا فيه ، وكانوا عازمين على الدخول إلى الحجاز مكة والمدينة - حرسهما الله تعالى - وأخذ الحاج ومنعهم عن البيت الحرام ، والدخول بعد ذلك إلى اليمن .
فلما وصل لؤلؤ إلى عيذاب ولم يرهم سار يقفو أثرهم ، فبلغ رابغ وساحل الجوزاء وغيرهما ، فأدركهم بساحل الجوزاء ، فأوقع بهم هناك ، فلما رأوا العطب وشاهدوا الهلاك خرجوا إلى البر ، واعتصموا ببعض تلك الشعاب ، فنزل لؤلؤ من مراكبه إليهم ، وقاتلهم أشد قتال ، وأخذ خيلا من الأعراب الذين هناك ، فركبها ، وقاتلهم فرسانا ورجالة ، فظفر بهم وقتل أكثرهم ، وأخذ الباقين أسرى ، وأرسل بعضهم [ ص: 469 ] إلى منى لينحروا بها عقوبة لمن رام إخافة حرم الله تعالى وحرم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعاد بالباقين إلى مصر ، فقتلوا جميعهم .