ذكر عقبة بن نافع إفريقية وبناء مدينة القيروان ولاية
قد ذكر أن في هذه السنة ولي أبو جعفر الطبري مسلمة بن مخلد إفريقية ، وأن عقبة ولي قبله إفريقية وبنى القيروان ، والذي ذكره أهل التاريخ من المغاربة : أن ولاية عقبة بن نافع إفريقية كانت هذه السنة وبنى القيروان ، ثم بقي إلى سنة خمس وخمسين ووليها ، وهم أخبر ببلادهم ، وأنا أذكر ما أثبتوه في كتبهم : مسلمة بن مخلد
[ ص: 63 ] قالوا : إن عزل معاوية بن أبي سفيان عن معاوية بن حديج إفريقية حسب ، واستعمل عليها ، وكان مقيما عقبة بن نافع الفهري ببرقة وزويلة مذ فتحها أيام ، وله في تلك البلاد جهاد وفتوح ، فلما استعمله عمرو بن العاص معاوية سير إليه عشرة آلاف فارس ، فدخل إفريقية وانضاف إليه من أسلم من البربر ، فكثر جمعه ، ووضع السيف في أهل البلاد لأنهم كانوا إذا دخل إليهم أمير أطاعوا وأظهر بعضهم الإسلام ، فإذا عاد الأمير عنهم نكثوا وارتد من أسلم ، ثم رأى أن يتخذ مدينة يكون فيها عسكر المسلمين وأموالهم ليأمنوا من ثورة تكون من أهل البلاد ، فقصد موضع القيروان ، وكان أجمة مشتبكة بها من أنواع الحيوان ( من السباع ) والحيات وغير ذلك ، فدعا الله ، وكان مستجاب الدعوة ، ثم نادى : أيتها الحيات والسباع إنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ارحلوا عنا فإنا نازلون ومن وجدناه بعد ذلك قتلناه . فنظر الناس ذلك اليوم إلى الدواب تحمل أولادها وتنتقل ، فرآه قبيل كثير من البربر فأسلموا ، وقطع الأشجار وأمر ببناء المدينة ، فبنيت ، وبنى المسجد الجامع ، وبنى الناس مساجدهم ومساكنهم ، وكان دورها ثلاثة آلاف باع وستمائة باع ، وتم أمرها سنة خمس وخمسين وسكنها الناس ، وكان في أثناء عمارة المدينة يغزو ويرسل السرايا ، فتغير وتنهب ، ودخل كثير من البربر في الإسلام ، واتسعت خطة المسلمين وقوي جنان من هناك من الجنود بمدينة القيروان وأمنوا واطمأنوا على المقام فثبت الإسلام فيها .