ذكر حسان بن النعمان إفريقية ولاية
قد ذكرنا ولاية زهير بن قيس سنة اثنتين وستين ، وكان قتله سنة تسع وستين ، فلما علم عبد الملك قتله عظم عليه وعلى المسلمين وأهمه ذلك ، وشغله عن إفريقية ما كان بينه وبين ابن الزبير ، فلما قتل ابن الزبير واجتمع المسلمون عليه ، جهز جيشا كثيرا ، واستعمل عليهم وعلى إفريقية ، وسيرهم إليها في هذه السنة ، فلم يدخل حسان بن النعمان الغساني إفريقية قط جيش مثله .
فلما ورد القيروان تجهز منها وسار إلى قرطاجنة ، وكان صاحبها أعظم ملوك إفريقية ، ولم يكن المسلمون قط حاربوها ، فلما وصل إليها رأى بها من الروم والبربر ما لا يحصى كثرة ، فقاتلهم وحصرهم وقتل منهم كثيرا ، فلما رأوا ذلك اجتمع رأيهم على الهرب ، فركبوا في مراكبهم ، وسار بعضهم إلى صقلية ، وبعضهم إلى الأندلس ، ودخلها حسان بالسيف ، فسبى ونهب ، وقتلهم قتلا ذريعا ، وأرسل الجيوش فيما حولها ، فأسرعوا إليه خوفا ، فأمرهم فهدموا من قرطاجنة ما قدروا عليه .
[ ص: 416 ] ثم بلغه أن الروم والبربر قد اجتمعوا له في صطفورة وبنزرت ، وهما مدينتان ، فسار إليهم وقاتلهم ، ولقي منهم شدة وقوة ، فصبر لهم المسلمون ، فانهزمت الروم وكثر القتل فيهم ، واستولوا على بلادهم ، ولم يترك حسان موضعا من بلادهم إلا وطئه ، وخافه أهل إفريقية خوفا شديدا ، ولجأ المنهزمون من الروم إلى مدينة باجة ، فتحصنوا بها ، وتحصن البربر بمدينة بونة ، فعاد حسان إلى القيروان لأن الجراح قد كثرت في أصحابه ، فأقام بها حتى صحوا .