ذكر مهلك  شبيب   
وفي هذه السنة هلك  شبيب     . 
وكان سبب ذلك أن  الحجاج  أنفق في أصحاب  سفيان بن الأبرد  مالا عظيما بعد أن عاد  شبيب  عن محاربتهم وقصد كرمان  بشهرين ، وأمر  سفيان  وأصحابه بقصد  شبيب  ، فسار نحوه ، وكتب  الحجاج  إلى  الحكم بن أيوب  زوج ابنته ، وهو عامله على البصرة  ، يأمره أن يرسل أربعة آلاف فارس من أهل البصرة   إلى  سفيان  ، فسيرهم مع  زياد بن عمرو العتكي  ، فلم يصل إلى  سفيان  حتى التقى  سفيان  مع  شبيب  ، وكان  شبيب  قد أقام بكرمان  ، فاستراح هو وأصحابه ثم أقبل راجعا ، فالتقى مع  سفيان  بجسر دجيل  الأهواز  ، فعبر  شبيب  الجسر إلى  سفيان  ، فوجد  سفيان  قد نزل في الرجال ، ( وجعل  مهاصر بن سيف  على الخيل . وأقبل  شبيب  في ثلاثة كراديس فاقتتلوا أشد قتال ، ورجع  شبيب  إلى المكان الذي كان فيه ، ثم حمل عليهم هو وأصحابه أكثر من ثلاثين حملة ، ولا يزول أهل الشام   ، وقال لهم  سفيان     : لا تتفرقوا ، وليزحف الرجال ) إليهم زحفا . فما زالوا يضاربونهم ويطاعنونهم حتى اضطروهم إلى الجسر . فلما انتهى  شبيب  إلى الجسر نزل ، ونزل معه   [ ص: 464 ] نحو مائة ، فقاتلوهم حتى المساء ، وأوقعوا بأهل الشام   من الضرب والطعن ما لم يروا مثله . 
فلما رأى  سفيان  عجزه عنهم ، وخاف أن ينصروا عليه - أمر الرماة أن يرموهم ، وذلك عند المساء ، وكانوا ناحية ، فتقدموا ورموا  شبيبا  ساعة ، فحمل هو وأصحابه على الرماة فقتلوا منهم أكثر من ثلاثين رجلا ، ثم عطف على  سفيان  ومن معه فقاتلهم حتى اختلط الظلام ، ثم انصرف ، فقال  سفيان  لأصحابه : لا تتبعوهم . 
فلما انتهى  شبيب  إلى الجسر قال لأصحابه : اعبروا ، وإذا أصبحنا باكرناهم إن شاء الله . فعبروا أمامه وتخلف في آخرهم ، وجاء ليعبر وهو على حصان ، وكانت بين يديه فرس أنثى ، فنزا فرسه عليها وهو على الجسر ، فاضطربت الحجر تحته ، ونزل حافر فرس  شبيب  على حرف السفينة ، فسقط في الماء ، فلما سقط قال : ليقضي الله أمرا كان مفعولا  ، وانغمس في الماء ، ثم ارتفع وقال : ذلك تقدير العزيز العليم  ، وغرق . 
وقيل في قتله غير ذلك ، وهو أنه كان مع جماعة من عشيرته ، ولم تكن لهم تلك البصيرة النافذة ، وكان قد قتل من عشائرهم رجالا ، فكان قد أوجع قلوبهم ، وكان منهم رجل اسمه  مقاتل من بني تيم بن شيبان  ، فلما قتل  شبيب  من بني تيم  أغار هو على بني مرة بن همام  رهط  شبيب  فقتل منهم ، فقال له  شبيب     : ما حملك على قتلهم بغير أمري ؟ فقال له : قتلت كفار قومي ، فقتلت كفار قومك ، ومن ديننا قتل من كان على غير رأينا ، وما أصبت من رهطي أكثر مما أصبت من رهطك ، وما يحل لك يا أمير المؤمنين أن تجد على قتل الكافرين . قال : لا أجد . 
وكان معه أيضا رجال كثير قد قتل من عشائرهم ، فلما تخلف في آخر الناس قال بعضهم لبعض : هل لكم أن نقطع به الجسر فندرك ثأرنا ؟ فقطعوا الجسر ، فمالت به السفن ، فنفر به الفرس ، فوقع في الماء فغرق . والأول أصح وأشهر . 
وكان أهل الشام   يريدون الانصراف ، فأتاهم صاحب الجسر فقال  لسفيان     : إن رجلا منهم وقع في الماء ، فنادوا بينهم : غرق أمير المؤمنين ! ثم إنهم انصرفوا راجعين وتركوا عسكرهم ليس فيه أحد ، فكبر  سفيان  وكبر أصحابه ، وأقبل حتى انتهى إلى الجسر ، وبعث إلى العسكر وإذا ليس فيه أحد ، وإذا هو أكثر العساكر خيرا ، ثم   [ ص: 465 ] استخرجوا  شبيبا  ، فشقوا جوفه وأخرجوا قلبه ، وكان صلبا كأنه صخرة ، فكان يضرب به الصخرة فيثب عنها قامة الإنسان . 
قيل : وكان  شبيب  ينعى إلى أمه ، فيقال : قتل ، فلا تقبل ذلك ، فلما قيل لها غرق صدقت ذلك وقالت : إني رأيت حين ولدته أنه خرج مني شهاب نار ، فعلمت أنه لا يطفئه إلا الماء . وكانت أمه جارية رومية قد اشتراها أبوه ، فأولدها  شبيبا  منه سنة خمس وعشرين يوم النحر ، وقالت : إني رأيت فيما يرى النائم أنه خرج من قبلي شهاب نار ، فذهب ساطعا في السماء وبلغ الآفاق كلها ، فبينما هو كذلك إذ وقع في ماء كثير فخبا ، وقد ولدته في يومكم هذا الذي تهريقون فيه الدماء ، وقد أولت ذلك أن ولدي يكون صاحب دماء ، وأن أمره سيعلو فيعظم سريعا . وكان أبوه يختلف به إلى اللصف أرض قومه ، وهو من بني شيبان    . 
				
						
						
