ذكر وولاية ابنه المهلب بن أبي صفرة يزيد خراسان وفاة
لما صالح المهلب أهل كش رجع يريد مرو ، فلما كان بمرو الروذ أخذته الشوصة ، وقيل الشوكة ، فمات منها ، وأوصى إلى ابنه حبيب فصلى عليه ، وقال لهم : [ ص: 499 ] قد استخلف عليكم يزيد فلا تخالفوه . فقال له ابنه المفضل : لو لم تقدمه لقدمناه .
وأحضر ولده فوصاهم ، وأحضر سهاما فحزمت ، فقال : أتكسرونها مجتمعة ؟ قالوا : لا . قال : أفتكسرونها متفرقة ؟ قالوا : نعم . قال : فهكذا الجماعة . ثم قال : أوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم ; فإنها تنسئ في الأجل ، وتثري المال ، وتكثر العدد ، وأنهاكم عن القطيعة ; فإنها تعقب النار والقلة والذلة ، وعليكم بالطاعة والجماعة ، وليكن فعالكم أفضل من مقالكم ، واتقوا الجواب وزلة اللسان ، فإن الرجل تزل قدمه فينتعش منها ، ويزل لسانه فيهلك ، اعرفوا لمن يغشاكم حقه ، فكفى بغدو الرجل ورواحه إليكم تذكرة له ، وآثروا الجود على البخل ، وأحيوا العرف ، واصنعوا المعروف ، فإن الرجل من العرب تعده العدة ، فيموت دونك ، فكيف بالصنيعة عنده ! عليكم في الحرب بالتؤدة والمكيدة ، فإنها أنفع من الشجاعة ، وإذا كان اللقاء نزل القضاء ، فإن أخذ الرجل بالحزم فظفر قيل : أتى الأمر من وجهه فظفر ، فحمد ، وإن لم يظفر قيل : ما فرط ولا ضيع ولكن القضاء غالب ، وعليكم بقراءة القرآن وتعليم السنن وأدب الصالحين ، وإياكم وكثرة الكلام في مجالسكم . ثم مات - رحمه الله - فقال نهار بن توسعة التميمي يرثيه : ألا ذهب المعروف والعز والغنى ومات الندى والجود بعد المهلب أقام بمرو الروذ رهن ضريحه وقد غاب عنه كل شرق ومغرب إذا قيل أي الناس أولى بنعمة على الناس ؟ قلنا هو ولم نتهيب
فلما توفي كتب ابنه يزيد إلى الحجاج يعلمه بوفاته ، فأقر يزيد على خراسان .