ذكر إخراج  ورفجومة  من القيروان   
ولما قتل  حبيب بن عبد الرحمن  عاد  عبد الملك بن أبي الجعد  إلى القيروان  ، وفعل ما كان يفعله  عاصم  من الفساد والظلم وقلة الدين وغير ذلك ، ففارق القيروان  أهلها . 
فاتفق أن رجلا من الإباضية  دخل القيروان  لحاجة له ، فرأى ناسا من الورفجوميين قد أخذوا امرأة قهرا والناس ينظرون فأدخلوها الجامع ، فترك الإباضي حاجته وقصد  أبا الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري  فأعلمه ذلك ، فخرج  أبو الخطاب  وهو يقول : بيتك اللهم بيتك ! فاجتمع ( إليه أصحابه من كل مكان ، وقصدوا طرابلس الغرب  ، واجتمع ) عليه الناس من الإباضية  والخوارج  وغيرهم ، وسير إليهم  عبد الملك  ، مقدم  ورفجومة  ، جيشا فهزموه وساروا إلى القيروان  ، فخرجت إليهم  ورفجومة  واقتتلوا واشتد القتال ، فانهزم أهل القيروان  الذين مع  ورفجومة  وخذلوهم ، فتبعهم  ورفجومة  في الهزيمة ، وكثر القتل فيهم وقتل  عبد الملك  الورفجومي ، وتبعهم  أبو الخطاب  يقتلهم حتى أسرف فيهم ، وعاد إلى طرابلس  واستخلف على القيروان  عبد الرحمن بن رستم الفارسي     . 
وكان قتل  ورفجومة  في صفر سنة إحدى وأربعين . 
ثم إن جماعة كثيرة من المسودة سيرهم  محمد بن الأشعث الخزاعي  ، أمير مصر  للمنصور  ، إلى طرابلس  لقتال  أبي الخطاب  ، وعليهم  أبو الأحوص عمر بن الأحوص العجلي  ، فخرج إليهم  أبو الخطاب  وقاتلهم وهزمهم سنة اثنتين وأربعين ، فعادوا إلى مصر  ، واستولى  أبو الخطاب  على سائر إفريقية    . فسير إليه  المنصور محمد بن الأشعث الخزاعي  أميرا على إفريقية  ، فسار من مصر  سنة ثلاث وأربعين فوصل إليها في خمسين ألفا ، ووجه معه  الأغلب بن سالم التميمي  ، وبلغ  أبا الخطاب  مسيره فجمع أصحابه من كل ناحية ، فكثر جمعه وخافه   ابن الأشعث  لكثرة جموعه . 
فتنازعت زناتة وهوارة بسبب قتيل من زناتة ، فاتهمت زناتة  أبا الخطاب  بالميل إليهم ، ففارقه جماعة منهم ، فقوي جنان   ابن الأشعث  وسار سيرا رويدا ، ثم أظهر أن  المنصور  قد أمره بالعود ، وعاد إلى ورائه ثلاثة أيام سيرا بطيئا ، فوصلت عيون  أبي الخطاب  وأخبرته بعوده ، فتفرق عنه كثير من أصحابه وأمن الباقون ، فعاد   ابن الأشعث   [ ص: 328 ] وشجعان عسكره مجدا ، فصبح  أبا الخطاب  وهو غير متأهب للحرب ، فوضعوا السيوف في الخوارج  ، واشتد القتال ، فقتل  أبو الخطاب  وعامة أصحابه في صفر سنة أربع وأربعين ومائة . 
وظن   ابن الأشعث  أن مادة الخوارج  قد انقطعت ، وإذا [ هم ] قد أطل عليهم  أبو هريرة الزناتي  في ستة عشر ألفا ، فلقيهم   ابن الأشعث  وقتلهم جميعا سنة أربع وأربعين ، وكتب إلى  المنصور  بظفره ، ورتب الولاة في الأعمال كلها ، وبنى سور القيروان  فيها ، وتم سنة ست وأربعين ، وضبط إفريقية  ، وأمعن في طلب كل من خالفه من البربر    ( وغيرهم ، فسير جيشا إلى زويلة  وودان  ، فافتتح ودان  وقتل من بها من الإباضية  ، وافتتح زويلة  وقتل مقدمهم  عبد الله بن سنان الإباضي  وأجلى الباقين . فلما رأى البربر  وغيرهم من أهل العبث والخلاف على الأمراء ذلك ) خافوه خوفا شديدا وأذعنوا له بالطاعة . فثار عليه رجل من جنده يقال له  هاشم بن الشاحج  بقمونية ، وتبعه كثير من الجند ، فسير إليه   ابن الأشعث  قائدا في عسكر ، فقتله  هاشم  وانهزم أصحابه ، وجعل المضرية من قواد   ابن الأشعث  يأمرون أصحابهم باللحاق بهاشم كراهية  لابن الأشعث  لأنه تعصب عليهم ، فبعث إليه   ابن الأشعث  جيشا آخر ، فاقتتلوا وانهزم  هاشم  ولحق بتاهرت ، وجمع طغام البربر  ، فبلغت عدة عسكره عشرين ألفا ، فسار بهم إلى تهوذة  ، فسير إليه   ابن الأشعث  جيشا ، فانهزم  هاشم  وقتلوا كثيرا من أصحابه البربر  وغيرهم ، فسار إلى ناحية طرابلس    . 
وقدم رسول من  المنصور  إلى  هاشم  يلومه على مفارقة الطاعة ، فقال : ما خالفت ولكني دعوت  للمهدي  بعد أمير المؤمنين ، وأنكر   ابن الأشعث  ذلك وأراد قتلي . فقال له الرسول : فإن كنت على الطاعة فمد عنقك . فضربه بالسيف فقتله سنة سبع وأربعين في صفر ، وبذل الأمان لأصحاب  هاشم  جميعهم فعادوا . 
وتبعهم   ابن الأشعث  بعد ذلك فقتلهم ، فغضب المضرية واجتمعت على عداوته وخلافه ، واجتمع رأيهم على إخراجه ، فلما رأى ذلك سار عنهم ، ولقيته رسل  المنصور  بالبر والإكرام ، فقدم عليه ، واستعمل المضرية على إفريقية  بعده   عيسى بن موسى   [ ص: 329 ] الخراساني    . 
( وكان [ بعد ]  مسير ابن الأشعث  تأمير  الخراساني  ثلاثة أشهر ، واستعمل  المنصور  الأغلب التميمي  ، على ما نذكره ) ، في ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائة . 
وإنما أوردنا هذه الحوادث متتابعة لتعلق بعضها ببعض على ما شرطناه ، وقد ذكرنا كل حادثة في أي سنة كانت فحصل الغرضان . 
				
						
						
