فصل
وحرم سبحانه ، وهذا يتناول الجمع بينهما في عقد النكاح وملك اليمين كسائر محرمات الآية ، وهذا قول جمهور الصحابة ومن [ ص: 115 ] بعدهم ، وهو الصواب ، وتوقفت طائفة في تحريمه بملك اليمين لمعارضة هذا العموم بعموم قوله سبحانه : ( الجمع بين الأختين والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ) [ المؤمنون : 5 ، 6 ] و[ المعارج 29 - 30 ] ولهذا قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : ( عثمان بن عفان ) . أحلتهما آية ، وحرمتهما آية
وقال في رواية عنه : لا أقول هو حرام ، ولكن ننهى عنه ، فمن أصحابه من جعل القول بإباحته رواية عنه . والصحيح أنه لم يبحه ، ولكن تأدب مع الصحابة أن يطلق لفظ الحرام على أمر توقف فيه الإمام أحمد عثمان بل قال ننهى عنه . والذين جزموا بتحريمه رجحوا آية التحريم من وجوه .
أحدها : أن سائر ما ذكر فيها من المحرمات عام في النكاح وملك اليمين ، فما بال هذا وحده حتى يخرج منها ، فإن كانت آية الإباحة مقتضية لحل الجمع بالملك ، فلتكن مقتضية لحل أم موطوءته بالملك ولموطوءة أبيه وابنه بالملك ، إذ لا فرق بينهما البتة ولا يعلم بهذا قائل .
الثاني : أن آية الإباحة بملك اليمين مخصوصة قطعا بصور عديدة لا يختلف فيها اثنان ، كأمه وابنته وأخته وعمته وخالته من الرضاعة ، بل كأخته وعمته من النسب عند من لا يرى عتقهن بالملك كمالك ، ولم يكن عموم قوله : ( والشافعي أو ما ملكت أيمانكم ) معارضا لعموم تحريمهن بالعقد والملك ، فهذا حكم الأختين سواء .
الثالث : أن حل الملك ليس فيه أكثر من بيان جهة الحل وسببه ، ولا تعرض فيه لشروط الحل ولا لموانعه ، وآية التحريم فيها بيان موانع الحل من النسب والرضاع والصهر وغيره ، فلا تعارض بينهما البتة ، وإلا كان كل موضع ذكر فيه شرط الحل وموانعه معارضا لمقتضى الحل ، وهذا باطل قطعا بل هو بيان لما [ ص: 116 ] سكت عنه دليل الحل من الشروط والموانع .
الرابع : أنه لو جاز الجمع بين الأختين المملوكتين في الوطء جاز الجمع بين الأم وابنتها المملوكتين ، فإن نص التحريم شامل للصورتين شمولا واحدا ، وأن إباحة المملوكات إن عمت الأختين عمت الأم وابنتها .
الخامس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين ) ولا ريب أن جمع الماء كما يكون بعقد النكاح يكون بملك اليمين ، والإيمان يمنع منه .