فصل 
في هديه صلى الله عليه وسلم في الفطرة وتوابعها 
قد سبق الخلاف ؛ هل ولد صلى الله عليه وسلم مختونا ، أو ختنته الملائكة يوم شق صدره لأول مرة ، أو ختنه جده عبد المطلب  ؟ 
وكان يعجبه التيمن في تنعله وترجله  ، وطهوره ، وأخذه ، وعطائه ، وكانت يمينه لطعامه وشرابه وطهوره ، ويساره لخلائه ونحوه من إزالة الأذى . 
وكان هديه في حلق الرأس تركه كله أو أخذه كله ، ولم يكن يحلق بعضه ويدع بعضه ، ولم يحفظ عنه حلقه إلا في نسك . 
وكان يحب السواك  ، وكان يستاك مفطرا وصائما ، ويستاك عند الانتباه من النوم ، وعند الوضوء ، وعند الصلاة ، وعند دخول المنزل ، وكان يستاك بعود الأراك . 
وكان يكثر التطيب ويحب الطيب ، وذكر عنه أنه ( كان يطلي بالنورة ) 
 [ ص: 168 ] وكان أولا يسدل شعره ثم فرقه ، والفرق : أن يجعل شعره فرقتين كل فرقة ذؤابة ، والسدل أن يسدله من ورائه ولا يجعله فرقتين . ولم يدخل حماما قط ، ولعله ما رآه بعينه ، ولم يصح في الحمام حديث .  [ ص: 169 ] 
وكان له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثا عند النوم في كل عين . 
واختلف الصحابة في خضابه  فقال أنس   : لم يخضب . وقال  أبو هريرة   : خضب . وقد روى  حماد بن سلمة  عن حميد  عن أنس  قال : ( رأيت شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مخضوبا  ) قال حماد   : وأخبرني  عبد الله بن محمد بن عقيل  قال : ( رأيت شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند  أنس بن مالك  مخضوبا  ) ، وقالت طائفة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر الطيب قد احمر شعره ، فكان يظن مخضوبا ولم يخضب . وقال أبو رمثة   : ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابن لي فقال : أهذا ابنك ؟ قلت نعم أشهد به ، فقال : لا تجني عليه ولا يجني عليك  ) قال : ورأيت الشيب أحمر . 
قال  الترمذي   : هذا أحسن شيء روي في هذا الباب وأفسره ؛ لأن الروايات الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الشيب . قال  حماد بن سلمة  ، عن  سماك بن حرب   : قيل  لجابر بن سمرة   : ( أكان في رأس النبي صلى الله عليه وسلم شيب ؟ قال : لم يكن في رأسه شيب إلا شعرات في مفرق رأسه إذا ادهن ، واراهن الدهن  ) قال أنس   : ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه ولحيته ، ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب  [ ص: 170 ] زيات  ) وكان يحب الترجل ، وكان يرجل نفسه تارة وترجله  عائشة  تارة ، ( وكان شعره فوق الجمة ودون الوفرة  ) ، وكانت جمته تضرب شحمة أذنيه ، وإذا طال جعله غدائر أربعا ، قالت  أم هانئ   : ( قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة  قدمة وله أربع غدائر  ) ، والغدائر الضفائر ، وهذا حديث صحيح . وكان صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب ، وثبت عنه في حديث صحيح  مسلم  أنه قال : ( من عرض عليه ريحان فلا يرده ، فإنه طيب الرائحة خفيف المحمل  ) هذا لفظ الحديث ، وبعضهم يرويه : ( من عرض عليه طيب فلا يرده  ) وليس بمعناه ، فإن الريحان لا تكثر المنة بأخذه ، وقد جرت العادة بالتسامح في بذله ، بخلاف المسك والعنبر والغالية ونحوها ، ولكن الذي ثبت عنه من حديث عزرة بن ثابت  ، عن ثمامة  ، قال أنس   : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب  )  [ ص: 171 ] وأما حديث  ابن عمر  يرفعه : ( ثلاث لا ترد : الوسائد والدهن واللبن  ) فحديث معلول ، رواه  الترمذي  وذكر علته ، ولا أحفظ الآن ما قيل فيه ، إلا أنه من رواية عبد الله بن مسلم بن جندب  عن أبيه عن  ابن عمر   . 
ومن مراسيل  أبي عثمان النهدي  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده ، فإنه خرج من الجنة  ) 
وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكة يتطيب منها ، وكان أحب الطيب إليه المسك ، وكان يعجبه الفاغية ، قيل : وهي نور الحناء . 
				
						
						
