قالت الشافعية والحنابلة ومن قال بالتخيير : لا يتأتى لكم الاحتجاج بقوله صلى الله عليه وسلم : ( أنت أحق به ما لم تنكحي ) بوجه من الوجوه ، فإن منكم من يقول : إذا استغنى بنفسه ، وأكل بنفسه ، وشرب بنفسه ، فالأب أحق به بغير تخيير ، ومنكم من يقول : إذا اثغر فالأب أحق به .
فنقول : النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم لها به ما لم تنكح ، ولم يفرق بين أن تنكح قبل بلوغ الصبي السن الذي يكون عنده أو بعده ، وحينئذ فالجواب يكون مشتركا بيننا وبينكم ، ونحن فيه على سواء ، فما أجبتم به أجاب به منازعوكم سواء ، فإن أضمرتم أضمروا ، وإن قيدتم قيدوا ، وإن خصصتم خصصوا . وإذا تبين هذا فنقول : الحديث اقتضى أمرين .
أحدهما : أنها لا حق لها في الولد بعد النكاح .
والثاني : أنها أحق به ما لم تنكح ، وكونها أحق به له حالتان ، إحداهما : أن يكون الولد صغيرا لم يميز ، فهي أحق به مطلقا من غير تخيير . الثاني : أن يبلغ سن التمييز ، فهي أحق به أيضا ، ولكن هذه الأولوية مشروطة بشرط ، والحكم إذا علق بشرط صدق إطلاقه اعتمادا على تقدير الشرط ، وحينئذ فهي أحق به بشرط اختياره لها ، وغاية هذا أنه تقييد للمطلق بالأدلة الدالة على تخييره . ولو حمل على إطلاقه - وليس بممكن البتة - لاستلزم ذلك إبطال أحاديث التخيير ، وأيضا فإذا كنتم قيدتموه بأنها أحق به إذا كانت مقيمة وكانت حرة ورشيدة وغير ذلك من القيود التي لا ذكر لشيء منها في الأحاديث البتة - فتقييده بالاختيار الذي دلت عليه السنة واتفق عليه الصحابة أولى .