ذكر حكمه صلى الله عليه وسلم في
nindex.php?page=treesubj&link=17945_13022النفقة على الزوجات
وأنه لم يقدرها ، ولا ورد عنه ما يدل على تقديرها ، وإنما رد الأزواج فيها إلى العرف .
ثبت عنه في " صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " أنه قال في خطبة حجة الوداع بمحضر الجمع العظيم قبل وفاته ببضعة وثمانين يوما : (
واتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن [ ص: 438 ] وكسوتهن بالمعروف ) .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في " الصحيحين " : (
أن هندا امرأة أبي سفيان قالت له : إن أبا سفيان رجل شحيح ، ليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ، فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) .
وفي " سنن
أبي داود " من حديث
حكيم بن معاوية ، عن أبيه رضي الله عنه قال : (
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، ما تقول في نسائنا ؟ قال : أطعموهن مما تأكلون ، واكسوهن مما تلبسون ، ولا تضربوهن ولا تقبحوهن ) .
وهذا الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم مطابق لكتاب الله عز وجل ، حيث يقول تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) [ البقرة : 233 ] والنبي صلى الله عليه وسلم جعل نفقة المرأة مثل نفقة الخادم ، وسوى بينهما في عدم التقدير ، وردهما إلى المعروف فقال : (
للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ) فجعل نفقتهما بالمعروف ، ولا ريب أن نفقة الخادم غير مقدرة ، ولم يقل أحد بتقديرها .
وصح عنه في الرقيق أنه قال : (
أطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ) .
رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، كما قال في الزوجة سواء .
[ ص: 439 ] وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : ( امرأتك تقول : إما أن تطعمني ، وإما أن تطلقني ، ويقول العبد : أطعمني واستعملني . ويقول الابن : أطعمني إلى من تدعني ) فجعل نفقة الزوجة والرقيق والولد كلها الإطعام لا التمليك .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم ) [ المائدة : 89 ] ، وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( الخبز والزيت ) ، وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنه : ( الخبز والسمن ، والخبز والتمر ، ومن أفضل ما تطعمون الخبز واللحم ) .
ففسر الصحابة إطعام الأهل بالخبز مع غيره من الأدم ، والله ورسوله ذكرا الإنفاق مطلقا من غير تحديد ولا تقدير ولا تقييد ، فوجب رده إلى العرف لو لم يرده إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف وهو الذي رد ذلك إلى العرف ، وأرشد أمته إليه ؟ ومن المعلوم أن أهل العرف إنما يتعارفون بينهم في الإنفاق على أهليهم حتى من يوجب التقدير : الخبز والإدام دون الحب ، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما كانوا ينفقون على أزواجهم ، كذلك دون تمليك الحب وتقديره ؛ ولأنها نفقة واجبة بالشرع ، فلم تقدر بالحب كنفقة الرقيق ، ولو كانت مقدرة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم
هندا أن تأخذ المقدر لها شرعا ، ولما أمرها أن تأخذ ما يكفيها من غير تقدير ورد الاجتهاد في ذلك إليها ، ومن المعلوم أن قدر كفايتها لا ينحصر في مدين ولا في رطلين ، بحيث لا يزيد عليهما ولا ينقص ، ولفظه لم يدل على ذلك بوجه ، ولا إيماء ، ولا إشارة ، وإيجاب مدين أو رطلين خبزا قد يكون أقل من الكفاية ، فيكون تركا
[ ص: 440 ] للمعروف ، وإيجاب قدر الكفاية مما يأكل الرجل وولده ورقيقه وإن كان أقل من مد أو من رطلي خبز إنفاق بالمعروف ، فيكون هذا هو الواجب بالكتاب والسنة ؛ ولأن الحب يحتاج إلى طحنه وخبزه وتوابع ذلك ، فإن أخرجت ذلك من مالها ، لم تحصل الكفاية بنفقة الزوج ، وإن فرض عليه ذلك لها من ماله كان الواجب حبا ودراهم ، ولو طلبت مكان الخبز دراهم أو حبا أو دقيقا أو غيره ، لم يلزمه بذله ، ولو عرض عليها ذلك أيضا لم يلزمها قبوله ؛ لأن ذلك معاوضة ، فلا يجبر أحدهما على قبولها ، ويجوز تراضيهما على ما اتفقا عليه .
والذين قدروا النفقة اختلفوا ، فمنهم من قدرها بالحب ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فقال : نفقة الفقير مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن أقل ما يدفع في الكفارة إلى الواحد مد ، والله سبحانه اعتبر الكفارة بالنفقة على الأهل ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم ) [ المائدة : 89 ] ، قال : وعلى الموسر مدان ؛ لأن أكثر ما أوجب الله سبحانه للواحد مدان في كفارة الأذى ، وعلى المتوسط مد ونصف ، نصف نفقة الموسر ، ونصف نفقة الفقير .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى : مقدرة بمقدار لا يختلف في القلة والكثرة ، والواجب رطلان من الخبز في كل يوم في حق الموسر والمعسر اعتبارا بالكفارات ، وإنما يختلفان في صفته وجودته ؛ لأن الموسر والمعسر سواء في قدر المأكول وما تقوم به البنية ، وإنما يختلفان في جودته ، فكذلك النفقة الواجبة .
والجمهور قالوا : لا يحفظ عن أحد من الصحابة قط تقدير النفقة ، لا بمد ولا برطل ، والمحفوظ عنهم بل الذي اتصل به العمل في كل عصر ومصر ما ذكرناه .
قالوا : ومن الذي سلم لكم التقدير بالمد والرطل في الكفارة ، والذي دل عليه القرآن والسنة أن الواجب في الكفارة الإطعام فقط لا التمليك ؟ قال تعالى في كفارة اليمين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم )
[ ص: 441 ] [ المائدة : 89 ] ، وقال في كفارة الظهار : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ) [ المجادلة : 4 ] وقال في فدية الأذى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) [ البقرة : 196 ] وليس في القرآن في إطعام الكفارات غير هذا ، وليس في موضع واحد منها تقدير ذلك بمد ولا رطل ، وصح
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن وطئ في نهار رمضان : ( أطعم ستين مسكينا ) ، وكذلك قال للمظاهر ، ولم يحد ذلك بمد ولا رطل .
فالذي دل عليه القرآن والسنة ، أن
nindex.php?page=treesubj&link=16544الواجب في الكفارات والنفقات هو الإطعام لا التمليك ، وهذا هو الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا
أبو خالد ، عن
حجاج ، عن
أبي إسحاق ، عن
الحارث ، عن
علي : يغديهم ويعشيهم خبزا وزيتا .
وقال
إسحاق عن
الحارث : كان
علي يقول في
nindex.php?page=treesubj&link=16549_16544إطعام المساكين في كفارة اليمين : يغديهم ويعشيهم خبزا وزيتا ، أو خبزا وسمنا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة : حدثنا
يحيى بن يعلى ، عن
ليث قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89من أوسط ما تطعمون أهليكم ) قال : الخبز والسمن ، والخبز والزيت ، والخبز واللحم .
[ ص: 442 ] وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( أوسط ما يطعم الرجل أهله الخبز واللبن ، والخبز والزيت ، والخبز والسمن ، ومن أفضل ما يطعم الرجل أهله الخبز واللحم ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع : حدثنا
يونس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى الأشعري كفر عن يمين له مرة ، فأمر
بجيرا أو جبيرا يطعم عنه عشرة مساكين خبزا ولحما ، وأمر لهم بثوب معقد أو ظهراني .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17303يحيى بن إسحاق ، حدثنا
يحيى بن أيوب ، عن
حميد ، أن
أنسا رضي الله عنه مرض قبل أن يموت ، فلم يستطع أن يصوم ، وكان يجمع ثلاثين مسكينا فيطعمهم خبزا ولحما أكلة واحدة .
وأما التابعون ، فثبت ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود بن يزيد ،
وأبي رزين ،
وعبيدة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972ومحمد بن سيرين ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وشريح ،
nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد ،
وطاووس ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
وابن بريدة ،
والضحاك ،
والقاسم ،
وسالم ،
ومحمد بن إبراهيم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ، والأسانيد عنهم بذلك في أحكام القرآن
nindex.php?page=showalam&ids=12429لإسماعيل بن إسحاق ، منهم من يقول : يغدي المساكين ويعشيهم . ومنهم من يقول : أكلة واحدة . ومنهم من يقول : خبز ولحم ، خبز وزيت ، خبز وسمن ، وهذا مذهب
أهل المدينة ،
وأهل العراق ،
[ ص: 443 ] وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، والرواية الأخرى : أن طعام الكفارة مقدر دون نفقة الزوجات .
فالأقوال ثلاثة : التقدير فيهما كقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وحده ، وعدم التقدير فيهما كقول
مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين . والتقدير في الكفارة دون النفقة كالرواية الأخرى عنه .
قال من نصر هذا القول : الفرق بين النفقة والكفارة أن الكفارة لا تختلف باليسار والإعسار ، ولا هي مقدرة بالكفاية ، ولا أوجبها الشارع بالمعروف ، كنفقة الزوجة والخادم ، والإطعام فيها حق لله تعالى لا لآدمي معين ، فيرضى بالعوض عنه ؛ ولهذا لو
nindex.php?page=treesubj&link=26645أخرج القيمة لم يجزه ، وروي التقدير فيها عن الصحابة ، فقال
القاضي إسماعيل : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15698حجاج بن المنهال ، حدثنا
أبو عوانة ، عن
منصور ، عن
أبي وائل ، عن
يسار بن نمير ، قال : قال
عمر : ( إن ناسا يأتوني يسألوني ، فأحلف أني لا أعطيهم ، ثم يبدو لي أن أعطيهم ، فإذا أمرتك أن تكفر فأطعم عني عشرة مساكين ، لكل مسكين صاعا من تمر ، أو شعير ، أو نصف صاع من بر ) .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15698حجاج بن المنهال nindex.php?page=showalam&ids=16039وسليمان بن حرب قالا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16024سلمة بن كهيل ، عن
يحيى بن عباد ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( يا
يرفا ، إذا حلفت فحنثت ، فأطعم عني ليميني خمسة أصوع عشرة مساكين ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، عن
عمر بن أبي مرة ، عن
عبد الله بن سلمة ، عن
علي قال : (
nindex.php?page=treesubj&link=16544_16550كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ) .
حدثنا
عبد الرحيم nindex.php?page=showalam&ids=11994وأبو خالد الأحمر ، عن
حجاج ، عن
قرط ، عن جدته ،
[ ص: 444 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت : ( إنا نطعم نصف صاع من بر ، أو صاعا من تمر في كفارة اليمين ) .
وقال
إسماعيل : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17081مسلم بن إبراهيم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام بن أبي عبد الله ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، عن
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت قال : ( يجزئ في كفارة اليمين لكل مسكين مد حنطة ) .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16039سليمان بن حرب ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن يزيد ، عن
أيوب ، عن
نافع ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنه كان إذا ذكر اليمين أعتق ، وإذا لم يذكرها أطعم عشرة مساكين ، لكل مسكين مد مد .
وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : ( في كفارة اليمين مد ومعه أدمه ) .
وأما التابعون فثبت ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
ومجاهد وقال : كل طعام ذكر في القرآن للمساكين فهو نصف صاع ، وكان يقول في كفارة الأيمان كلها : مدان لكل مسكين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار : أدركت الناس وهم يعطون في كفارة اليمين مدا بالمد الأول . وقال
القاسم وسالم وأبو سلمة : مد مد من بر ، وقال
عطاء : فرقا بين عشرة ، ومرة قال : مد مد .
قالوا : وقد ثبت في " الصحيحين " (
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=showalam&ids=167لكعب بن عجرة في nindex.php?page=treesubj&link=3787_3812كفارة فدية الأذى : أطعم ستة مساكين نصف صاع نصف صاع ، طعاما لكل مسكين ) . فقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فدية الأذى ، فجعلنا تقديرها أصلا ، وعديناها إلى سائر الكفارات . ثم قال من قدر طعام الزوجة : ثم رأينا النفقات والكفارات قد اشتركا في الوجوب ، فاعتبرنا إطعام النفقة بإطعام الكفارة ، ورأينا الله سبحانه
[ ص: 445 ] قد قال في جزاء الصيد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95أو كفارة طعام مساكين ) [ المائدة : 95 ] ، وما أجمعت الأمة أن الطعام مقدر فيها ، ولهذا لو عدم الطعام ، صام عن كل مد يوما ، كما أفتى به
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والناس بعده ، فهذا ما احتجت به هذه الطائفة على تقدير طعام الكفارة .
قال الآخرون : لا حجة في أحد دون الله ورسوله وإجماع الأمة ، وقد أمرنا تعالى أن نرد ما تنازعنا فيه إليه وإلى رسوله ، وذلك خير لنا حالا وعاقبة ، ورأينا الله سبحانه إنما قال في الكفارة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89إطعام عشرة مساكين ) ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فإطعام ستين مسكينا ) ، فعلق الأمر بالمصدر الذي هو الإطعام ، ولم يحد لنا جنس الطعام ولا قدره ، وحد لنا جنس المطعمين وقدرهم ، فأطلق الطعام وقيد المطعومين ، ورأيناه سبحانه حيث ذكر إطعام المسكين في كتابه ، فإنما أراد به الإطعام المعهود المتعارف ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=12وما أدراك ما العقبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=13فك رقبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=14أو إطعام في يوم ذي مسغبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=15يتيما ) [ البلد : 12 ] . وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) [ الإنسان : 8 ] وكان من المعلوم يقينا ، أنهم لو غدوهم أو عشوهم أو أطعموهم خبزا ولحما أو خبزا ومرقا ونحوه لكانوا ممدوحين داخلين فيمن أثنى عليهم ، وهو سبحانه عدل عن الطعام الذي هو اسم للمأكول إلى الإطعام الذي هو مصدر صريح ، وهذا نص في أنه إذا أطعم المساكين ، ولم يملكهم ، فقد امتثل ما أمر به ، وصح في كل لغة وعرف : أنه أطعمهم .
قالوا : وفي أي لغة لا يصدق لفظ الإطعام إلا بالتمليك ؟ ولما قال
أنس رضي الله عنه (
إن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم الصحابة في وليمة زينب خبزا ولحما ) . كان قد اتخذ طعاما ودعاهم إليه على عادة الولائم ، وكذلك قوله في وليمة
صفية ( أطعمهم حيسا ) ، وهذا أظهر من أن نذكر شواهده ، قالوا : وقد زاد ذلك
[ ص: 446 ] إيضاحا وبيانا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89من أوسط ما تطعمون أهليكم ) [ المائدة : 89 ] ، ومعلوم يقينا أن الرجل إنما يطعم أهله الخبز واللحم والمرق واللبن ونحو ذلك ، فإذا أطعم المساكين من ذلك فقد أطعمهم من أوسط ما يطعم أهله بلا شك ، ولهذا اتفق الصحابة رضي الله عنهم في إطعام الأهل على أنه غير مقدر كما تقدم ، والله سبحانه جعله أصلا لطعام الكفارة ، فدل بطريق الأولى على أن طعام الكفارة غير مقدر .
وأما من قدر طعام الأهل ، فإنما أخذ من تقدير طعام الكفارة ، فيقال : هذا خلاف مقتضى النص ، فإن الله أطلق طعام الأهل وجعله أصلا لطعام الكفارة ، فعلم أن طعام الكفارة لا يتقدر كما لا يتقدر أصله ، ولا يعرف عن صحابي ألبتة تقدير طعام الزوجة مع عموم هذه الواقعة في كل وقت .
قالوا : فأما الفروق التي ذكرتموها ، فليس فيها ما يستلزم تقدير طعام الكفارة ، وحاصلها خمسة فروق ، أنها لا تختلف باليسار والإعسار ، وأنها لا تتقدر بالكفاية ، ولا أوجبها الشارع بالمعروف ، ولا يجوز إخراج العوض عنها ، وهي حق لله لا تسقط بالإسقاط بخلاف نفقة الزوجة ، فيقال : نعم لا شك في صحة هذه الفروق ، ولكن من أين يستلزم وجوب تقديرها بمد ومدين ؟ بل هي إطعام واجب من جنس ما يطعم أهله ، ومع ثبوت هذه الأحكام لا يدل على تقديرها بوجه .
وأما ما ذكرتم عن الصحابة من تقديرها ، فجوابه من وجهين .
أحدهما : أنا قد ذكرنا عن جماعة منهم :
علي وأنس وأبو موسى nindex.php?page=showalam&ids=10وابن [ ص: 447 ] مسعود رضي الله عنهم أنهم قالوا : يجزئ أن يغديهم ويعشيهم .
الثاني : أن من روي عنهم المد والمدان لم يذكروا ذلك تقديرا وتحديدا ، بل تمثيلا ، فإن منهم من روي عنه المد ، وروي عنه مدان ، وروي عنه مكوك ، وروي عنه جواز التغدية والتعشية ، وروي عنه أكلة ، وروي عنه رغيف أو رغيفان ، فإن كان هذا اختلافا فلا حجة فيه ، وإن كان بحسب حال المستفتي وبحسب حال الحالف والمكفر فظاهر ، وإن كان ذلك على سبيل التمثيل فكذلك . فعلى كل تقدير لا حجة فيه على التقديرين .
قالوا : وأما الإطعام في فدية الأذى فليس من هذا الباب ؛ فإن الله سبحانه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) [ البقرة : 196 ] ، والله سبحانه أطلق هذه الثلاثة ولم يقيدها . وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقييد الصيام بثلاثة أيام ، وتقييد النسك بذبح شاة ، وتقييد الإطعام بستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، ولم يقل سبحانه في فدية الأذى : فإطعام ستة مساكين ، ولكن أوجب صدقة مطلقة وصوما مطلقا ودما مطلقا فعينه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفرق ، والثلاثة الأيام ، والشاة .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=3786_3794جزاء الصيد فإنه من غير هذا الباب ، فإن المخرج إنما يخرج قيمة الصيد من الطعام ، وهي تختلف بالقلة والكثرة ، فإنها بدل متلف لا ينظر فيها إلى عدد المساكين ، وإنما ينظر فيها إلى مبلغ الطعام ، فيطعمه المساكين على ما يرى من إطعامهم وتفضيل بعضهم على بعض ، فتقدير الطعام فيها على حسب المتلف ، وهو يقل ويكثر ، وليس ما يعطاه كل مسكين مقدرا .
ثم إن التقدير بالحب يستلزم أمرا باطلا بين البطلان ، فإنه إذا كان الواجب لها عليه شرعا الحب ، وأكثر الناس إنما يطعم أهله الخبز ، فإن جعلتم هذا معاوضة كان ربا ظاهرا ، وإن لم تجعلوه معاوضة فالحب ثابت لها في ذمته ولم تعتض عنه فلم تبرأ ذمته منه إلا بإسقاطها وإبرائها ، فإذا لم تبرئه طالبته بالحب مدة طويلة مع إنفاقه عليها كل يوم حاجتها من الخبز والأدم ، وإن مات أحدهما
[ ص: 448 ] كان الحب دينا له أو عليه ، يؤخذ من التركة مع سعة الإنفاق عليها كل يوم .
ومعلوم أن الشريعة الكاملة المشتملة على العدل والحكمة والمصلحة تأبى ذلك كل الإباء ، وتدفعه كل الدفع كما يدفعه العقل والعرف ، ولا يمكن أن يقال : إن النفقة التي في ذمته تسقط بالذي له عليها من الخبز والأدم لوجهين ، أحدهما : أنه لم يبعه إياها ، ولا اقترضه منها حتى يثبت في ذمتها ، بل هي معه فيه على حكم الضيف لامتناع المعاوضة عن الحب بذلك شرعا . ولو قدر ثبوته في ذمتها لما أمكنت المقاصة لاختلاف الدينين جنسا ، والمقاصة تعتمد اتفاقهما . هذا وإن قيل بأحد الوجهين إنه لا يجوز المعاوضة على النفقة مطلقا لا بدراهم ولا بغيرها لأنه معاوضة عما لم يستقر ولم يجب ، فإنها إنما تجب شيئا فشيئا ، فإنه لا تصح المعاوضة عليها حتى تستقر بمضي الزمان ، فيعاوض عنها كما يعاوض عما هو مستقر في الذمة من الديون ، ولما لم يجد بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من هذا الإشكال مخلصا قال : الصحيح أنها إذا أكلت سقطت نفقتها . قال
الرافعي في " محرره " : أولى الوجهين السقوط ، وصححه
النووي لجريان الناس عليه في كل عصر ومصر ، واكتفاء الزوجة به . وقال
الرافعي في " الشرح الكبير " ، و " الأوسط " : فيه وجهان . أقيسهما : أنها لا تسقط ؛ لأنه لم يوف الواجب وتطوع بما ليس بواجب ، وصرحوا بأن هذين الوجهين في الرشيدة التي أذن لها قيمها ، فإن لم يأذن لها لم تسقط وجها واحدا .
ذِكْرُ حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=17945_13022النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَاتِ
وَأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهَا ، وَلَا وَرَدَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِهَا ، وَإِنَّمَا رَدَّ الْأَزْوَاجَ فِيهَا إِلَى الْعُرْفِ .
ثَبَتَ عَنْهُ فِي " صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمَحْضَرِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِبِضْعَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا : (
وَاتُّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ [ ص: 438 ] وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) .
وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " : (
أَنَّ هندا امْرَأَةَ أبي سفيان قَالَتْ لَهُ : إِنَّ أبا سفيان رَجُلٌ شَحِيحٌ ، لَيْسَ يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، فَقَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ) .
وَفِي " سُنَنِ
أبي داود " مِنْ حَدِيثِ
حكيم بن معاوية ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا تَقُولُ فِي نِسَائِنَا ؟ قَالَ : أَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَاكْسُوهُنَّ مِمَّا تَلْبَسُونَ ، وَلَا تَضْرِبُوهُنَّ وَلَا تُقَبِّحُوهُنَّ ) .
وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطَابِقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) [ الْبَقَرَةِ : 233 ] وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نَفَقَةِ الْخَادِمِ ، وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ التَّقْدِيرِ ، وَرَدَّهُمَا إِلَى الْمَعْرُوفِ فَقَالَ : (
لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ ) فَجَعَلَ نَفَقَتَهُمَا بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَقْدِيرِهَا .
وَصَحَّ عَنْهُ فِي الرَّقِيقِ أَنَّهُ قَالَ : (
أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ ) .
رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، كَمَا قَالَ فِي الزَّوْجَةِ سَوَاءٌ .
[ ص: 439 ] وَصَحَّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : ( امْرَأَتُكَ تَقُولُ : إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي ، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي ، وَيَقُولُ الْعَبْدُ : أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي . وَيَقُولُ الِابْنُ : أَطْعِمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعُنِي ) فَجَعَلَ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ وَالْوَلَدِ كُلَّهَا الْإِطْعَامَ لَا التَّمْلِيكَ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ هَذَا مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَيَأْتِي .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ) [ الْمَائِدَةِ : 89 ] ، وَصَحَّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : ( الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ ) ، وَصَحَّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ ، وَالْخُبْزُ وَالتَّمْرُ ، وَمِنْ أَفْضَلِ مَا تُطْعِمُونَ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ ) .
فَفَسَّرَ الصَّحَابَةُ إِطْعَامَ الْأَهْلِ بِالْخُبْزِ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأُدْمِ ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ ذَكَرَا الْإِنْفَاقَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَقْدِيرٍ وَلَا تَقْيِيدٍ ، فَوَجَبَ رَدُّهُ إِلَى الْعُرْفِ لَوْ لَمْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَيْفَ وَهُوَ الَّذِي رَدَّ ذَلِكَ إِلَى الْعُرْفِ ، وَأَرْشَدَ أُمَّتَهُ إِلَيْهِ ؟ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ إِنَّمَا يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى أَهْلِيهِمْ حَتَّى مَنْ يُوجِبُ التَّقْدِيرَ : الْخُبْزُ وَالْإِدَامُ دُونَ الْحَبِّ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إِنَّمَا كَانُوا يُنْفِقُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ، كَذَلِكَ دُونَ تَمْلِيكِ الْحَبِّ وَتَقْدِيرِهِ ؛ وَلِأَنَّهَا نَفَقَةٌ وَاجِبَةٌ بِالشَّرْعِ ، فَلَمْ تُقَدَّرْ بِالْحَبِّ كَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ ، وَلَوْ كَانَتْ مُقَدَّرَةً لَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هندا أَنْ تَأْخُذَ الْمُقَدَّرَ لَهَا شَرْعًا ، وَلَمَّا أَمَرَهَا أَنْ تَأْخُذَ مَا يَكْفِيهَا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَرَدَّ الِاجْتِهَادَ فِي ذَلِكَ إِلَيْهَا ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ قَدْرَ كِفَايَتِهَا لَا يَنْحَصِرُ فِي مُدَّيْنِ وَلَا فِي رِطْلَيْنِ ، بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَنْقُصُ ، وَلَفْظُهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهٍ ، وَلَا إِيمَاءٍ ، وَلَا إِشَارَةٍ ، وَإِيجَابُ مُدَّيْنِ أَوْ رِطْلَيْنِ خُبْزًا قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مِنَ الْكِفَايَةِ ، فَيَكُونُ تَرْكًا
[ ص: 440 ] لِلْمَعْرُوفِ ، وَإِيجَابُ قَدْرِ الْكِفَايَةِ مِمَّا يَأْكُلُ الرَّجُلُ وَوَلَدُهُ وَرَقِيقُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ أَوْ مِنْ رِطْلَيْ خُبْزٍ إِنْفَاقٌ بِالْمَعْرُوفِ ، فَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْوَاجِبَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَبَّ يُحْتَاجُ إِلَى طَحْنِهِ وَخَبْزِهِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ ، فَإِنْ أَخْرَجَتْ ذَلِكَ مِنْ مَالِهَا ، لَمْ تَحْصُلِ الْكِفَايَةُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجِ ، وَإِنْ فَرَضَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَهَا مِنْ مَالِهِ كَانَ الْوَاجِبُ حَبًّا وَدَرَاهِمَ ، وَلَوْ طَلَبَتْ مَكَانَ الْخُبْزِ دَرَاهِمَ أَوْ حَبًّا أَوْ دَقِيقًا أَوْ غَيْرَهُ ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ ، وَلَوْ عَرَضَ عَلَيْهَا ذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ ، فَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى قَبُولِهَا ، وَيَجُوزُ تَرَاضِيهِمَا عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ .
وَالَّذِينَ قَدَّرُوا النَّفَقَةَ اخْتَلَفُوا ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهَا بِالْحَبِّ ، وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، فَقَالَ : نَفَقَةُ الْفَقِيرِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يُدْفَعُ فِي الْكَفَّارَةِ إِلَى الْوَاحِدِ مُدٌّ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ اعْتَبَرَ الْكَفَّارَةَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْأَهْلِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ) [ الْمَائِدَةِ : 89 ] ، قَالَ : وَعَلَى الْمُوسِرِ مُدَّانِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْوَاحِدِ مُدَّانِ فِي كَفَّارَةِ الْأَذَى ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفٌ ، نِصْفُ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ ، وَنِصْفُ نَفَقَةِ الْفَقِيرِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى : مُقَدَّرَةٌ بِمِقْدَارٍ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، وَالْوَاجِبُ رِطْلَانِ مِنَ الْخُبْزِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ اعْتِبَارًا بِالْكَفَّارَاتِ ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي صِفَتِهِ وَجَوْدَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُوسِرَ وَالْمُعْسِرَ سَوَاءٌ فِي قَدْرِ الْمَأْكُولِ وَمَا تَقُومُ بِهِ الْبِنْيَةُ ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي جَوْدَتِهِ ، فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ .
وَالْجُمْهُورُ قَالُوا : لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَطُّ تَقْدِيرُ النَّفَقَةِ ، لَا بِمُدٍّ وَلَا بِرِطْلٍ ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْهُمْ بَلِ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ الْعَمَلُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ مَا ذَكَرْنَاهُ .
قَالُوا : وَمَنِ الَّذِي سَلَّمَ لَكُمُ التَّقْدِيرَ بِالْمُدِّ وَالرِّطْلِ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْكَفَّارَةِ الْإِطْعَامُ فَقَطْ لَا التَّمْلِيكُ ؟ قَالَ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ )
[ ص: 441 ] [ الْمَائِدَةِ : 89 ] ، وَقَالَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) [ الْمُجَادَلَةِ : 4 ] وَقَالَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) [ الْبَقَرَةِ : 196 ] وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فِي إِطْعَامِ الْكَفَّارَاتِ غَيْرُ هَذَا ، وَلَيْسَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْهَا تَقْدِيرُ ذَلِكَ بِمُدٍّ وَلَا رِطْلٍ ، وَصَحَّ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ : ( أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِلْمُظَاهِرِ ، وَلَمْ يَحُدَّ ذَلِكَ بِمُدٍّ وَلَا رِطْلٍ .
فَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ ، أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16544الْوَاجِبَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالنَّفَقَاتِ هُوَ الْإِطْعَامُ لَا التَّمْلِيكُ ، وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12508أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا
أبو خالد ، عَنْ
حجاج ، عَنْ
أبي إسحاق ، عَنِ
الحارث ، عَنْ
علي : يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ خُبْزًا وَزَيْتًا .
وَقَالَ
إسحاق عَنِ
الحارث : كَانَ
علي يَقُولُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=16549_16544إِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ : يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ خُبْزًا وَزَيْتًا ، أَوْ خُبْزًا وَسَمْنًا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا
يحيى بن يعلى ، عَنْ
ليث قَالَ : كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) قَالَ : الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ ، وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ ، وَالْخُبْزُ وَاللَّحْمُ .
[ ص: 442 ] وَصَحَّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( أَوْسَطُ مَا يُطْعِمُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ الْخُبْزُ وَاللَّبَنُ ، وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ ، وَالْخُبْزُ وَالسَّمْنُ ، وَمِنْ أَفْضَلِ مَا يُطْعِمُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ ) .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17360يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ : حَدَّثَنَا
يونس ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16972مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ كَفَّرَ عَنْ يَمِينٍ لَهُ مَرَّةً ، فَأَمَرَ
بجيرا أو جبيرا يُطْعِمُ عَنْهُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ خُبْزًا وَلَحْمًا ، وَأَمَرَ لَهُمْ بِثَوْبٍ مُعَقَّدٍ أَوْ ظَهْرَانِيٍّ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17303يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا
يحيى بن أيوب ، عَنْ
حميد ، أَنَّ
أنسا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرِضَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَصُومَ ، وَكَانَ يَجْمَعُ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا فَيُطْعِمُهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا أَكْلَةً وَاحِدَةً .
وَأَمَّا التَّابِعُونَ ، فَثَبَتَ ذَلِكَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13705الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ،
وأبي رزين ،
وعبيدة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ،
وشريح ،
nindex.php?page=showalam&ids=11867وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ،
وطاووس ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ ،
وابن بريدة ،
والضحاك ،
والقاسم ،
وسالم ،
ومحمد بن إبراهيم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، وَالْأَسَانِيدُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12429لإسماعيل بن إسحاق ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : يُغَدِّي الْمَسَاكِينَ وَيُعَشِّيهِمْ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : أَكْلَةً وَاحِدَةً . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : خُبْزٌ وَلَحْمٌ ، خُبْزٌ وَزَيْتٌ ، خُبْزٌ وَسَمْنٌ ، وَهَذَا مَذْهَبُ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ ،
وَأَهْلِ الْعِرَاقِ ،
[ ص: 443 ] وأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى : أَنَّ طَعَامَ الْكَفَّارَةِ مُقَدَّرٌ دُونَ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ .
فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ : التَّقْدِيرُ فِيهِمَا كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَحْدَهُ ، وَعَدَمُ التَّقْدِيرِ فِيهِمَا كَقَوْلِ
مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ . وَالتَّقْدِيرُ فِي الْكَفَّارَةِ دُونَ النَّفَقَةِ كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ .
قَالَ مَنْ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ : الْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالْكَفَّارَةِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، وَلَا هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ ، وَلَا أَوْجَبَهَا الشَّارِعُ بِالْمَعْرُوفِ ، كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْخَادِمِ ، وَالْإِطْعَامُ فِيهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ ، فَيَرْضَى بِالْعِوَضِ عَنْهُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=26645أَخْرَجَ الْقِيمَةَ لَمْ يَجْزِهِ ، وَرُوِيَ التَّقْدِيرُ فِيهَا عَنِ الصَّحَابَةِ ، فَقَالَ
القاضي إسماعيل : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15698حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا
أبو عوانة ، عَنْ
منصور ، عَنْ
أبي وائل ، عَنْ
يسار بن نمير ، قَالَ : قَالَ
عمر : ( إِنَّ نَاسًا يَأْتُونِي يَسْأَلُونِي ، فَأَحْلِفُ أَنِّي لَا أُعْطِيهِمْ ، ثُمَّ يَبْدُو لِي أَنْ أُعْطِيَهُمْ ، فَإِذَا أَمَرْتُكَ أَنْ تُكَفِّرَ فَأَطْعِمْ عَنِّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعًا مَنْ تَمْرٍ ، أَوْ شَعِيرٍ ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ) .
حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15698حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ nindex.php?page=showalam&ids=16039وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15744حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16024سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ
يحيى بن عباد ، أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( يَا
يرفا ، إِذَا حَلَفْتُ فَحَنِثْتُ ، فَأَطْعِمْ عَنِّي لِيَمِينِي خَمْسَةَ أَصْوُعٍ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ) .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ
عمر بن أبي مرة ، عَنْ
عبد الله بن سلمة ، عَنْ
علي قَالَ : (
nindex.php?page=treesubj&link=16544_16550كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ ) .
حَدَّثَنَا
عبد الرحيم nindex.php?page=showalam&ids=11994وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ، عَنْ
حجاج ، عَنْ
قرط ، عَنْ جَدَّتِهِ ،
[ ص: 444 ] عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( إِنَّا نُطْعِمُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ) .
وَقَالَ
إسماعيل : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17081مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17235هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17298يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ
أبي سلمة ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : ( يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حِنْطَةٍ ) .
حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16039سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15743حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ
أيوب ، عَنْ
نافع ، أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا ذَكَرَ الْيَمِينَ أَعْتَقَ ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْهَا أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مُدٌّ .
وَصَحَّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدٌّ وَمَعَهُ أُدْمُهُ ) .
وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ،
ومجاهد وَقَالَ : كُلُّ طَعَامٍ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ لِلْمَسَاكِينِ فَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ ، وَكَانَ يَقُولُ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا : مُدَّانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15743حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17314يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16049سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ : أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ يُعْطُونَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدًّا بِالْمُدِّ الْأَوَّلِ . وَقَالَ
القاسم وسالم وأبو سلمة : مُدٌّ مُدٌّ مِنْ بُرٍّ ، وَقَالَ
عطاء : فَرْقًا بَيْنَ عَشَرَةٍ ، وَمَرَّةً قَالَ : مُدٌّ مُدٌّ .
قَالُوا : وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " (
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=167لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي nindex.php?page=treesubj&link=3787_3812كَفَّارَةِ فِدْيَةِ الْأَذَى : أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ نِصْفَ صَاعٍ ، طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ ) . فَقَدَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدْيَةَ الْأَذَى ، فَجَعَلْنَا تَقْدِيرَهَا أَصْلًا ، وَعَدَّيْنَاهَا إِلَى سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ . ثُمَّ قَالَ مِنْ قَدْرِ طَعَامِ الزَّوْجَةِ : ثُمَّ رَأَيْنَا النَّفَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ قَدِ اشْتَرَكَا فِي الْوُجُوبِ ، فَاعْتَبَرْنَا إِطْعَامَ النَّفَقَةِ بِإِطْعَامِ الْكَفَّارَةِ ، وَرَأَيْنَا اللَّهَ سُبْحَانَهُ
[ ص: 445 ] قَدْ قَالَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ) [ الْمَائِدَةِ : 95 ] ، وَمَا أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّ الطَّعَامَ مُقَدَّرٌ فِيهَا ، وَلِهَذَا لَوْ عَدِمَ الطَّعَامَ ، صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ، كَمَا أَفْتَى بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَالنَّاسُ بَعْدَهُ ، فَهَذَا مَا احْتَجَّتْ بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ عَلَى تَقْدِيرِ طَعَامِ الْكَفَّارَةِ .
قَالَ الْآخَرُونَ : لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ ، وَقَدْ أَمَرَنَا تَعَالَى أَنْ نَرُدَّ مَا تَنَازَعْنَا فِيهِ إِلَيْهِ وَإِلَى رَسُولِهِ ، وَذَلِكَ خَيْرٌ لَنَا حَالًا وَعَاقِبَةً ، وَرَأَيْنَا اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا قَالَ فِي الْكَفَّارَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ) ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) ، فَعَلَّقَ الْأَمْرَ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْإِطْعَامُ ، وَلَمْ يُحِدَّ لَنَا جِنْسَ الطَّعَامِ وَلَا قَدْرَهُ ، وَحَدَّ لَنَا جِنْسَ الْمُطْعَمِينَ وَقَدْرَهُمْ ، فَأَطْلَقَ الطَّعَامَ وَقَيَّدَ الْمَطْعُومِينَ ، وَرَأَيْنَاهُ سُبْحَانَهُ حَيْثُ ذَكَرَ إِطْعَامَ الْمِسْكِينِ فِي كِتَابِهِ ، فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِطْعَامَ الْمَعْهُودَ الْمُتَعَارَفَ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=12وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=13فَكُّ رَقَبَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=14أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=15يَتِيمًا ) [ الْبَلَدِ : 12 ] . وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) [ الْإِنْسَانِ : 8 ] وَكَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ يَقِينًا ، أَنَّهُمْ لَوْ غَدَّوْهُمْ أَوْ عَشَّوْهُمْ أَوْ أَطْعَمُوهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا أَوْ خُبْزًا وَمَرَقًا وَنَحْوَهُ لَكَانُوا مَمْدُوحِينَ دَاخِلِينَ فِيمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ عَدَلَ عَنِ الطَّعَامِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ إِلَى الْإِطْعَامِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ صَرِيحٌ ، وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ إِذَا أَطْعَمَ الْمَسَاكِينَ ، وَلَمْ يُمْلِكْهُمْ ، فَقَدِ امْتَثَلَ مَا أُمِرَ بِهِ ، وَصَحَّ فِي كُلِّ لُغَةٍ وَعُرْفٍ : أَنَّهُ أَطْعَمَهُمْ .
قَالُوا : وَفِي أَيِّ لُغَةٍ لَا يَصْدُقُ لَفْظُ الْإِطْعَامِ إِلَّا بِالتَّمْلِيكِ ؟ وَلَمَّا قَالَ
أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (
إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعَمَ الصَّحَابَةَ فِي وَلِيمَةِ زينب خُبْزًا وَلَحْمًا ) . كَانَ قَدِ اتَّخَذَ طَعَامًا وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ عَلَى عَادَةِ الْوَلَائِمِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي وَلِيمَةِ
صفية ( أَطْعَمَهُمْ حَيْسًا ) ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ نَذْكُرَ شَوَاهِدَهُ ، قَالُوا : وَقَدْ زَادَ ذَلِكَ
[ ص: 446 ] إِيضَاحًا وَبَيَانًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) [ الْمَائِدَةِ : 89 ] ، وَمَعْلُومٌ يَقِينًا أَنَّ الرَّجُلَ إِنَّمَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ وَالْمَرَقَ وَاللَّبَنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَطْعَمَ الْمَسَاكِينَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَطْعَمَهُمْ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ بِلَا شَكٍّ ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي إِطْعَامِ الْأَهْلِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُ أَصْلًا لِطَعَامِ الْكَفَّارَةِ ، فَدَلَّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى أَنَّ طَعَامَ الْكَفَّارَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ .
وَأَمَّا مَنْ قَدَّرَ طَعَامَ الْأَهْلِ ، فَإِنَّمَا أَخَذَ مِنْ تَقْدِيرِ طَعَامِ الْكَفَّارَةِ ، فَيُقَالُ : هَذَا خِلَافُ مُقْتَضَى النَّصِّ ، فَإِنَّ اللَّهَ أَطْلَقَ طَعَامَ الْأَهْلِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا لِطَعَامِ الْكَفَّارَةِ ، فَعُلِمَ أَنَّ طَعَامَ الْكَفَّارَةِ لَا يَتَقَدَّرُ كَمَا لَا يَتَقَدَّرُ أَصْلُهُ ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ صَحَابِيٍّ أَلْبَتَّةَ تَقْدِيرُ طَعَامِ الزَّوْجَةِ مَعَ عُمُومِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ .
قَالُوا : فَأَمَّا الْفُرُوقُ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا ، فَلَيْسَ فِيهَا مَا يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَ طَعَامِ الْكَفَّارَةِ ، وَحَاصِلُهَا خَمْسَةُ فُرُوقٍ ، أَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، وَأَنَّهَا لَا تَتَقَدَّرُ بِالْكِفَايَةِ ، وَلَا أَوْجَبَهَا الشَّارِعُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْعِوَضِ عَنْهَا ، وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ لَا تَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ، فَيُقَالُ : نَعَمْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْفَرُوقِ ، وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ يَسْتَلْزِمُ وُجُوبُ تَقْدِيرِهَا بِمُدٍّ وَمُدَّيْنِ ؟ بَلْ هِيَ إِطْعَامٌ وَاجِبٌ مِنْ جِنْسِ مَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ ، وَمَعَ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِهَا بِوَجْهٍ .
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ تَقْدِيرِهَا ، فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ :
علي وأنس وأبو موسى nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ [ ص: 447 ] مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : يُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ .
الثَّانِي : أَنَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُمُ الْمُدُّ وَالْمُدَّانِ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ تَقْدِيرًا وَتَحْدِيدًا ، بَلْ تَمْثِيلًا ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْمُدُّ ، وَرُوِيَ عَنْهُ مُدَّانِ ، وَرُوِيَ عَنْهُ مَكُّوكٌ ، وَرُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ التَّغْدِيَةِ وَالتَّعْشِيَةِ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَكْلَةٌ ، وَرُوِيَ عَنْهُ رَغِيفٌ أَوْ رَغِيفَانِ ، فَإِنْ كَانَ هَذَا اخْتِلَافًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ بِحَسَبِ حَالِ الْمُسْتَفْتِي وَبِحَسَبِ حَالِ الْحَالِفِ وَالْمُكَفِّرِ فَظَاهِرٌ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ فَكَذَلِكَ . فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ .
قَالُوا : وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) [ الْبَقَرَةِ : 196 ] ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَطْلَقَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا . وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقْيِيدُ الصِّيَامِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَتَقْيِيدُ النُّسُكِ بِذَبْحِ شَاةٍ ، وَتَقْيِيدُ الْإِطْعَامِ بِسِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ ، وَلَمْ يَقُلْ سُبْحَانَهُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى : فَإِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ ، وَلَكِنْ أَوْجَبَ صَدَقَةً مُطْلَقَةً وَصَوْمًا مُطْلَقًا وَدَمًا مُطْلَقًا فَعَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَرَقِ ، وَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ ، وَالشَّاةِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=3786_3794جَزَاءُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْبَابِ ، فَإِنَّ الْمُخْرِجَ إِنَّمَا يُخْرِجُ قِيمَةَ الصَّيْدِ مِنَ الطَّعَامِ ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، فَإِنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ لَا يُنْظَرُ فِيهَا إِلَى عَدَدِ الْمَسَاكِينِ ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا إِلَى مَبْلَغِ الطَّعَامِ ، فَيُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ عَلَى مَا يَرَى مِنْ إِطْعَامِهِمْ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَتَقْدِيرُ الطَّعَامِ فِيهَا عَلَى حَسَبِ الْمُتْلَفِ ، وَهُوَ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ ، وَلَيْسَ مَا يُعْطَاهُ كُلُّ مِسْكِينٍ مُقَدَّرًا .
ثُمَّ إِنَّ التَّقْدِيرَ بِالْحَبِّ يَسْتَلْزِمُ أَمْرًا بَاطِلًا بَيِّنَ الْبُطْلَانِ ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْوَاجِبُ لَهَا عَلَيْهِ شَرْعًا الْحَبَّ ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ إِنَّمَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ الْخُبْزَ ، فَإِنْ جَعَلْتُمْ هَذَا مُعَاوَضَةً كَانَ رِبًا ظَاهِرًا ، وَإِنْ لَمْ تَجْعَلُوهُ مُعَاوَضَةً فَالْحَبُّ ثَابِتٌ لَهَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ تَعْتَضْ عَنْهُ فَلَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ إِلَّا بِإِسْقَاطِهَا وَإِبْرَائِهَا ، فَإِذَا لَمْ تُبْرِئْهُ طَالَبَتْهُ بِالْحَبِّ مُدَّةً طَوِيلَةً مَعَ إِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ حَاجَتَهَا مِنَ الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا
[ ص: 448 ] كَانَ الْحَبُّ دَيْنًا لَهُ أَوْ عَلَيْهِ ، يُؤْخَذُ مِنَ التَّرِكَةِ مَعَ سِعَةِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْكَامِلَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ تَأْبَى ذَلِكَ كُلَّ الْإِبَاءِ ، وَتَدْفَعُهُ كُلَّ الدَّفْعِ كَمَا يَدْفَعُهُ الْعَقْلُ وَالْعُرْفُ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ النَّفَقَةَ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ تَسْقُطُ بِالَّذِي لَهُ عَلَيْهَا مِنَ الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ لِوَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ إِيَّاهَا ، وَلَا اقْتَرَضَهُ مِنْهَا حَتَّى يَثْبُتَ فِي ذِمَّتِهَا ، بَلْ هِيَ مَعَهُ فِيهِ عَلَى حُكْمِ الضَّيْفِ لِامْتِنَاعِ الْمُعَاوَضَةِ عَنِ الْحَبِّ بِذَلِكَ شَرْعًا . وَلَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُهُ فِي ذِمَّتِهَا لَمَا أَمْكَنَتِ الْمُقَاصَّةُ لِاخْتِلَافِ الدَّيْنَيْنِ جِنْسًا ، وَالْمُقَاصَّةُ تَعْتَمِدُ اتِّفَاقَهُمَا . هَذَا وَإِنْ قِيلَ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى النَّفَقَةِ مُطْلَقًا لَا بِدَرَاهِمَ وَلَا بِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ عَمَّا لَمْ يَسْتَقِرَّ وَلَمْ يَجِبْ ، فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا ، فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَسْتَقِرَّ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ، فَيُعَاوِضُ عَنْهَا كَمَا يُعَاوِضُ عَمَّا هُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي الذِّمَّةِ مِنَ الدُّيُونِ ، وَلَمَّا لَمْ يَجِدْ بَعْضُ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ مَخْلَصًا قَالَ : الصَّحِيحُ أَنَّهَا إِذَا أَكَلَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا . قَالَ
الرافعي فِي " مُحَرَّرِهِ " : أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ السُّقُوطُ ، وَصَحَّحَهُ
النووي لِجَرَيَانِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ ، وَاكْتِفَاءِ الزَّوْجَةِ بِهِ . وَقَالَ
الرافعي فِي " الشَّرْحِ الْكَبِيرِ " ، وَ " الْأَوْسَطِ " : فِيهِ وَجْهَانِ . أَقْيَسُهُمَا : أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوفِ الْوَاجِبَ وَتَطَوَّعَ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّشِيدَةِ الَّتِي أَذِنَ لَهَا قَيِّمُهَا ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا لَمْ تَسْقُطْ وَجْهًا وَاحِدًا .