أحدها : تحريم ، وذلك يتناول كل كلب صغيرا كان أو كبيرا للصيد ، أو للماشية ، أو للحرث ، وهذا مذهب فقهاء أهل الحديث قاطبة ، والنزاع في ذلك معروف عن أصحاب بيع الكلب مالك ، ، فجوز أصحاب وأبي حنيفة بيع الكلاب ، وأكل أثمانها ، وقال أبي حنيفة : اختلف أصحابنا في بيع ما أذن في اتخاذه من الكلاب ، فمنهم من قال : يكره ، ومنهم من قال : يحرم ، انتهى . القاضي عبد الوهاب
وعقد بعضهم فصلا لما يصح بيعه ، وبنى عليه اختلافهم في بيع الكلب ، فقال : ما كانت منافعه كلها محرمة لم يجز بيعه ، إذ لا فرق بين المعدوم حسا ، والممنوع شرعا ، وما تنوعت منافعه إلى محللة ومحرمة ، فإن كان المقصود من العين خاصة ، كان الاعتبار بها - والحكم تابع لها - فاعتبر نوعها ، وصار الآخر كالمعدوم . وإن توزعت في النوعين ، لم يصح البيع ؛ لأن ما يقابل ما حرم منها أكل مال بالباطل ، وما سواه من بقية الثمن يصير مجهولا .
قال : وعلى هذا الأصل مسألة ، فإذا بني الخلاف فيها على هذا الأصل ، قيل : في الكلب من المنافع كذا وكذا ، وعددت جملة منافعه ، ثم نظر فيها ، فمن رأى أن جملتها محرمة ، منع ، ومن رأى جميعها محللة ، أجاز ، ومن رآها متنوعة ، نظر : هل المقصود المحلل ، أو المحرم ، فجعل الحكم للمقصود ، ومن رأى منفعة واحدة منها محرمة وهي مقصودة ، منع أيضا ، ومن التبس عليه كونها مقصودة ، وقف أو كره ، فتأمل هذا التأصيل والتفصيل ، وطابق بينهما يظهر لك ما فيهما من التناقض والخلل ، وأن بناء بيع كلب الصيد على هذا الأصل من أفسد البناء ، فإن قوله : من رأى أن جملة منافع كلب الصيد محرمة بعد [ ص: 681 ] تعديدها ، لم يجز بيعه ، فإن هذا لم يقله أحد من الناس قط ، وقد اتفقت الأمة على إباحة منافع كلب الصيد من الاصطياد والحراسة ، وهما جل منافعه ، ولا يقتنى إلا لذلك ، فمن الذي رأى منافعه كلها محرمة ، ولا يصح أن تراد منافعه الشرعية ؟ فإن إعارته جائزة . بيع كلب الصيد
وقوله : ومن رأى جميعها محللة ، أجاز ، كلام فاسد أيضا ، فإن منافعه المذكورة محللة اتفاقا ، والجمهور على عدم جواز بيعه .
وقوله : ومن رآها متنوعة ، نظر ، هل المقصود المحلل أو المحرم ؟ كلام لا فائدة تحته البتة ، فإن منفعة كلب الصيد هي الاصطياد دون الحراسة ، فأين التنوع وما يقدر في المنافع من التحريم يقدر مثله في الحمار والبغل ؟ وقوله : ومن رأى منفعة واحدة محرمة وهي مقصودة منع . أظهر فسادا مما قبله ، فإن هذه المنفعة المحرمة ليست هي المقصودة من كلب الصيد ، وإن قدر أن مشتريه قصدها ، فهو كما لو قصد منفعة محرمة من سائر ما يجوز بيعه ، وتبين فساد هذا التأصيل ، وأن الأصل الصحيح هو الذي دل عليه النص الصريح الذي لا معارض له البتة من تحريم بيعه .