فصل
فلما رأى المشركون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا وحملوا ، وساقوا الذراري والأطفال والأموال إلى
الأوس والخزرج ، وعرفوا أن الدار دار منعة ، وأن القوم أهل حلقة وشوكة وبأس ، فخافوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ولحوقه بهم ، فيشتد عليهم أمره ، فاجتمعوا في
دار الندوة ، ولم يتخلف أحد من أهل الرأي والحجا منهم ليتشاوروا في أمره ، وحضرهم وليهم وشيخهم إبليس في صورة شيخ كبير من
أهل نجد مشتمل الصماء في كسائه ، فتذاكروا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشار كل أحد منهم برأي ، والشيخ يرده ولا يرضاه ، إلى أن قال
أبو جهل : قد فرق لي فيه رأي ما أراكم قد وقعتم عليه ، قالوا : ما هو ؟ قال : أرى أن نأخذ من كل قبيلة من
nindex.php?page=treesubj&link=30665قريش غلاما نهدا جلدا ، ثم نعطيه سيفا صارما ، فيضربونه
[ ص: 46 ] ضربة رجل واحد ، فيتفرق دمه في القبائل ، فلا تدري
بنو عبد مناف بعد ذلك كيف تصنع ، ولا يمكنها معاداة القبائل كلها ، ونسوق إليهم ديته ، فقال الشيخ : لله در الفتى ، هذا والله الرأي ، قال : فتفرقوا على ذلك ، واجتمعوا عليه ، فجاءه
جبريل بالوحي من عند ربه تبارك وتعالى ، فأخبره بذلك ، وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة .
(
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001747وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر نصف النهار في ساعة لم يكن يأتيه فيها متقنعا ، فقال له : " أخرج من عندك " فقال : إنما هم أهلك يا رسول الله ، فقال : إن الله قد أذن لي في الخروج ، فقال أبو بكر : الصحابة يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فقال أبو بكر : فخذ بأبي وأمي إحدى راحلتي هاتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بالثمن ) .
وأمر
عليا أن يبيت في مضجعه تلك الليلة ، واجتمع أولئك النفر من
قريش يتطلعون من صير الباب ويرصدونه ، ويريدون بياته ، ويأتمرون أيهم يكون أشقاها ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فأخذ حفنة من البطحاء ، فجعل يذره على رءوسهم ، وهم لا يرونه ، وهو يتلو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=9وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) [ يس : 9 ] ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت
أبي بكر ، فخرجا من خوخة في دار
أبي بكر ليلا ، وجاء رجل ورأى القوم ببابه فقال : ما تنتظرون ؟ قالوا :
محمدا ، قال : خبتم وخسرتم ، قد والله مر بكم وذر على رءوسكم التراب ، قالوا : والله ما أبصرناه ، وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم ، وهم :
أبو جهل ،
والحكم بن العاص ،
وعقبة بن أبي معيط ،
[ ص: 47 ] والنضر بن الحارث ،
وأمية بن خلف ،
وزمعة بن الأسود ،
وطعيمة بن عدي ،
وأبو لهب ، وأبي بن خلف ،
ونبيه ومنبه ابنا
الحجاج ، فلما أصبحوا قام
علي عن الفراش فسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا علم لي به .
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر إلى
nindex.php?page=treesubj&link=30670غار ثور ، فدخلاه ، وضرب العنكبوت على بابه .
وكانا قد استأجرا
عبد الله بن أريقط الليثي ، وكان هاديا ماهرا بالطريق ، وكان على دين قومه من
قريش ، وأمناه على ذلك ، وسلما إليه راحلتيهما ، وواعداه
غار ثور بعد ثلاث ، وجدت
قريش في طلبهما ، وأخذوا معهم القافة ، حتى انتهوا إلى باب الغار ، فوقفوا عليه .
ففي " الصحيحين " (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001748أن أبا بكر قال : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى [ ص: 48 ] ما تحت قدميه لأبصرنا ، فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، لا تحزن فإن الله معنا ) وكان النبي صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر يسمعان كلامهم فوق رءوسهما ، ولكن الله سبحانه عمى عليهم أمرهما ، وكان
عامر بن فهيرة يرعى عليهما غنما
لأبي بكر ، ويتسمع ما يقال
بمكة ، ثم يأتيهما بالخبر ، فإذا كان السحر سرح مع الناس .
قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : وجهزناهما أحسن الجهاز ، ووضعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها ، فأوكت به الجراب ، وقطعت الأخرى فصيرتها عصاما لفم القربة ، فلذلك لقبت ، ذات النطاقين .
وذكر
الحاكم في " مستدركه " عن
عمر قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001749خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار ، ومعه أبو بكر ، فجعل يمشي ساعة بين يديه ، وساعة خلفه ، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله ، فقال له : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد ، فأمشي بين يديك ، فقال : يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك [ ص: 49 ] دوني ؟ قال : نعم ، والذي بعثك بالحق ، فلما انتهى إلى الغار ، قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار ، فدخل فاستبرأه ، حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرئ الجحرة ، فقال : مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ الجحرة ، ثم قال : انزل يا رسول الله فنزل ) ، فمكثا في الغار ثلاث ليال حتى خمدت عنهما نار الطلب ، فجاءهما
عبد الله بن أريقط بالراحلتين فارتحلا وأردف
أبو بكر عامر بن فهيرة وسار الدليل أمامهما ، وعين الله تكلؤهما ، وتأييده يصحبهما ، وإسعاده يرحلهما وينزلهما .
ولما يئس المشركون من الظفر بهما جعلوا لمن جاء بهما دية كل واحد منهما ، فجد الناس في الطلب ، والله غالب على أمره ، فلما مروا بحي
بني مدلج مصعدين من قديد ، بصر بهم رجل من الحي ، فوقف على الحي فقال : لقد رأيت آنفا بالساحل أسودة ما أراها إلا
محمدا وأصحابه ، ففطن بالأمر
nindex.php?page=treesubj&link=30669سراقة بن مالك ، فأراد أن يكون الظفر له خاصة وقد سبق له من الظفر ما لم يكن في حسابه فقال : بل هم فلان وفلان ، خرجا في طلب حاجة لهما ، ثم مكث قليلا ثم قام فدخل خباءه وقال لخادمه : اخرج بالفرس من وراء الخباء وموعدك وراء الأكمة ، ثم أخذ رمحه وخفض عاليه يخط به الأرض ، حتى ركب فرسه ، فلما قرب منهم وسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وأبو بكر يكثر الالتفات ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت ، فقال
أبو بكر : يا رسول الله هذا
سراقة بن مالك قد رهقنا ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت يدا فرسه في الأرض ، فقال : قد علمت أن الذي أصابني بدعائكما ، فادعوا الله لي ، ولكما علي أن أرد الناس عنكما ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأطلق ، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابا ، فكتب له
أبو [ ص: 50 ] بكر بأمره في أديم ، وكان الكتاب معه إلى يوم فتح
مكة ، فجاءه بالكتاب فوفاه له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : يوم وفاء وبر ، وعرض عليهما الزاد والحملان ، فقالا : لا حاجة لنا به ولكن عم عنا الطلب ، فقال : قد كفيتم ، ورجع فوجد الناس في الطلب ، فجعل يقول: قد استبرأت لكم الخبر ، وقد كفيتم ما هاهنا ، وكان أول النهار جاهدا عليهما ، وآخره حارسا لهما .
فَصْلٌ
فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَجَهَّزُوا وَخَرَجُوا وَحَمَلُوا ، وَسَاقُوا الذَّرَارِيَّ وَالْأَطْفَالَ وَالْأَمْوَالَ إِلَى
الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَعَرَفُوا أَنَّ الدَّارَ دَارُ مَنَعَةٍ ، وَأَنَّ الْقَوْمَ أَهْلُ حَلْقَةٍ وَشَوْكَةٍ وَبَأْسٍ ، فَخَافُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ وَلُحُوقَهُ بِهِمْ ، فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ ، فَاجْتَمَعُوا فِي
دَارِ النَّدْوَةِ ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الرّأْيِ وَالْحِجَا مِنْهُمْ لِيَتَشَاوَرُوا فِي أَمْرِهِ ، وَحَضَرَهُمْ وَلِيُّهُمْ وَشَيْخُهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ كَبِيرٍ مِنْ
أَهْلِ نَجْدٍ مُشْتَمِلٌ الصَّمَّاءَ فِي كِسَائِهِ ، فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَشَارَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِرَأْيٍ ، وَالشَّيْخُ يَرُدُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ ، إِلَى أَنْ قَالَ
أبو جهل : قَدْ فُرِقَ لِي فِيهِ رَأْيٌ مَا أَرَاكُمْ قَدْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ ، قَالُوا : مَا هُوَ ؟ قَالَ : أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30665قُرَيْشٍ غُلَامًا نَهْدًا جَلْدًا ، ثُمَّ نُعْطِيهِ سَيْفًا صَارِمًا ، فَيَضْرِبُونَهُ
[ ص: 46 ] ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، فَيَتَفَرَّقُ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ ، فَلَا تَدْرِي
بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ بَعْدَ ذَلِكَ كَيْفَ تَصْنَعُ ، وَلَا يُمْكِنُهَا مُعَادَاةُ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا ، وَنَسُوقُ إِلَيْهِمْ دِيَتَهُ ، فَقَالَ الشَّيْخُ : لِلَّهِ دَرُّ الْفَتَى ، هَذَا وَاللَّهِ الرَّأْيُ ، قَالَ : فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ ، وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ ، فَجَاءَهُ
جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنَامَ فِي مَضْجَعِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ .
(
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001747وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أبي بكر نِصْفَ النَّهَارِ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِ فِيهَا مُتَقَنِّعًا ، فَقَالَ لَهُ : " أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ " فَقَالَ : إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ ، فَقَالَ أبو بكر : الصَّحَابَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ ، فَقَالَ أبو بكر : فَخُذْ بِأَبِي وَأُمِّي إِحْدَى رَاحِلَتَيْ هَاتَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِالثَّمَنِ ) .
وَأَمَرَ
عليا أَنْ يَبِيتَ فِي مَضْجَعِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ
قُرَيْشٍ يَتَطَلَّعُونَ مِنْ صِيْرِ الْبَابِ وَيَرْصُدُونَهُ ، وَيُرِيدُونَ بَيَاتَهُ ، وَيَأْتَمِرُونَ أَيُّهُمْ يَكُونُ أَشْقَاهَا ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ ، فَجَعَلَ يَذُرُّهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَهُ ، وَهُوَ يَتْلُو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=9وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ) [ يس : 9 ] وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ
أبي بكر ، فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ فِي دَارِ
أبي بكر لَيْلًا ، وَجَاءَ رَجُلٌ وَرَأَى الْقَوْمَ بِبَابِهِ فَقَالَ : مَا تَنْتَظِرُونَ ؟ قَالُوا :
مُحَمًّدًا ، قَالَ : خِبْتُمْ وَخَسِرْتُمْ ، قَدْ وَاللَّهِ مَرَّ بِكُمْ وَذَرَّ عَلَى رُءُوسِكُمُ التُّرَابَ ، قَالُوا : وَاللَّهِ مَا أَبْصَرْنَاهُ ، وَقَامُوا يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ ، وَهُمْ :
أبو جهل ،
والحكم بن العاص ،
وعقبة بن أبي معيط ،
[ ص: 47 ] والنضر بن الحارث ،
وأمية بن خلف ،
وزمعة بن الأسود ،
وطعيمة بن عدي ،
وأبو لهب ، وأبي بن خلف ،
ونبيه ومنبه ابْنَا
الحجاج ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَامَ
علي عَنِ الْفِرَاشِ فَسَأَلُوهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : لَا عِلْمَ لِي بِهِ .
ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأبو بكر إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30670غَارِ ثَوْرٍ ، فَدَخَلَاهُ ، وَضَرَبَ الْعَنْكَبُوتُ عَلَى بَابِهِ .
وَكَانَا قَدِ اسْتَأْجَرَا
عبد الله بن أريقط الليثي ، وَكَانَ هَادِيًا مَاهِرًا بِالطَّرِيقِ ، وَكَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ مِنْ
قُرَيْشٍ ، وَأَمِنَاهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَسَلَّمَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا ، وَوَاعَدَاهُ
غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ ، وَجَدَّتْ
قُرَيْشٌ فِي طَلَبِهِمَا ، وَأَخَذُوا مَعَهُمُ الْقَافَةَ ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى بَابِ الْغَارِ ، فَوَقَفُوا عَلَيْهِ .
فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001748أَنَّ أبا بكر قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى [ ص: 48 ] مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا ، فَقَالَ : يَا أبا بكر مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ، لَا تَحْزَنْ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأبو بكر يَسْمَعَانِ كَلَامَهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمَا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَمَّى عَلَيْهِمْ أَمْرَهُمَا ، وَكَانَ
عامر بن فهيرة يَرْعَى عَلَيْهِمَا غَنَمًا
لأبي بكر ، وَيَتَسَمَّعُ مَا يُقَالُ
بِمَكَّةَ ، ثُمَّ يَأْتِيهِمَا بِالْخَبَرِ ، فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ سَرَحَ مَعَ النَّاسِ .
قَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : وَجَهَّزْنَاهُمَا أَحْسَنَ الْجِهَازِ ، وَوَضَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ ، فَقَطَعَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا ، فَأَوْكَتْ بِهِ الْجِرَابَ ، وَقَطَعَتِ الْأُخْرَى فَصَيَّرَتْهَا عِصَامًا لِفَمِ الْقِرْبَةِ ، فَلِذَلِكَ لُقِّبَتْ ، ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ .
وَذَكَرَ
الحاكم فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " عَنْ
عمر قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001749خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْغَارِ ، وَمَعَهُ أبو بكر ، فَجَعَلَ يَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَسَاعَةً خَلْفَهُ ، حَتَّى فَطِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذْكُرُ الطَّلَبَ فَأَمْشِي خَلْفَكَ ، ثُمَّ أَذْكُرُ الرَّصَدَ ، فَأَمْشِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، فَقَالَ : يَا أبا بكر لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ بِكَ [ ص: 49 ] دُونِي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْغَارِ ، قَالَ أبو بكر : مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَسْتَبْرِئَ لَكَ الْغَارَ ، فَدَخَلَ فَاسْتَبْرَأَهُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي أَعْلَاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبْرِئِ الْجِحَرَةَ ، فَقَالَ : مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَسْتَبْرِئَ الْجِحَرَةَ ، ثُمَّ قَالَ : انْزِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَزَلَ ) ، فَمَكَثَا فِي الْغَارِ ثَلَاثَ لِيَالٍ حَتَّى خَمَدَتْ عَنْهُمَا نَارُ الطَّلَبِ ، فَجَاءَهُمَا
عبد الله بن أريقط بِالرَّاحِلَتَيْنِ فَارْتَحَلَا وَأَرْدَفَ
أبو بكر عامر بن فهيرة وَسَارَ الدَّلِيلُ أَمَامَهُمَا ، وَعَيْنُ اللَّهِ تَكْلَؤُهُمَا ، وَتَأْيِيدُهُ يَصْحَبُهُمَا ، وَإِسْعَادُهُ يُرَحِّلُهُمَا وَيُنْزِلُهُمَا .
وَلَمَّا يَئِسَ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الظَّفَرِ بِهِمَا جَعَلُوا لِمَنْ جَاءَ بِهِمَا دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَجَدَّ النَّاسُ فِي الطَّلَبِ ، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ، فَلَمَّا مَرُّوا بِحَيِّ
بَنِي مُدْلِجٍ مُصْعِدِينَ مِنْ قُدَيْدٍ ، بَصُرَ بِهِمْ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ ، فَوَقَفَ عَلَى الْحَيِّ فَقَالَ : لَقَدْ رَأَيْتُ آنِفًا بِالسَّاحِلِ أَسْوِدَةً مَا أُرَاهَا إِلَّا
مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ ، فَفَطِنَ بِالْأَمْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=30669سراقة بن مالك ، فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ الظَّفَرُ لَهُ خَاصَّةً وَقَدْ سَبَقَ لَهُ مِنَ الظَّفَرِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ فَقَالَ : بَلْ هُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ ، خَرَجَا فِي طَلَبِ حَاجَةٍ لَهُمَا ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ خِبَاءَهُ وَقَالَ لِخَادِمِهِ : اخْرُجْ بِالْفَرَسِ مِنْ وَرَاءِ الْخِبَاءِ وَمَوْعِدُكَ وَرَاءَ الْأَكَمَةِ ، ثُمَّ أَخَذَ رُمْحَهُ وَخَفَضَ عَالِيَهُ يَخُطُّ بِهِ الْأَرْضَ ، حَتَّى رَكِبَ فَرَسَهُ ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُمْ وَسَمِعَ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وأبو بكر يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَلْتَفِتُ ، فَقَالَ
أبو بكر : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا
سراقة بن مالك قَدْ رَهَقَنَا ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الْأَرْضِ ، فَقَالَ : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِي أَصَابَنِي بِدُعَائِكُمَا ، فَادْعُوَا اللَّهَ لِي ، وَلَكُمَا عَلَيَّ أَنْ أَرُدَّ النَّاسَ عَنْكُمَا ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَطْلَقَ ، وَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا ، فَكَتَبَ لَهُ
أبو [ ص: 50 ] بكر بِأَمْرِهِ فِي أَدِيمٍ ، وَكَانَ الْكِتَابُ مَعَهُ إِلَى يَوْمِ فَتْحِ
مَكَّةَ ، فَجَاءَهُ بِالْكِتَابِ فَوَفَّاهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الزَّادَ وَالْحِمْلَانِ ، فَقَالَا : لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ وَلَكِنْ عَمِّ عَنَّا الطَّلَبَ ، فَقَالَ : قَدْ كُفِيتُمْ ، وَرَجَعَ فَوَجَدَ النَّاسَ فِي الطَّلَبِ ، فَجَعَلَ يَقُولُ: قَدِ اسْتَبْرَأْتُ لَكُمُ الْخَبَرَ ، وَقَدْ كُفِيتُمْ مَا هَاهُنَا ، وَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَيْهِمَا ، وَآخِرَهُ حَارِسًا لَهُمَا .