فصل 
وأما الظهر فكان يطيل قراءتها أحيانا  ، حتى قال أبو سعيد   : ( كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها  ) رواه  مسلم   . 
وكان يقرأ فيها تارة بقدر ( الم تنزيل ) وتارة ب ( سبح اسم ربك الأعلى   ) ( والليل إذا يغشى   ) وتارة ب ( والسماء ذات البروج   ) ( والسماء والطارق   ) 
وأما العصر  فعلى النصف من قراءة صلاة الظهر إذا طالت ، وبقدرها إذا قصرت . وأما المغرب  فكان هديه فيها خلاف عمل الناس اليوم ، فإنه صلاها مرة  [ ص: 204 ] ب ( الأعراف )فرقها في الركعتين ، ومرة ب ( والطور ) ومرة ب ( والمرسلات ) . قال  أبو عمر بن عبد البر   : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب ب ( المص ) ، وأنه قرأ فيها ب ( الصافات ) ، وأنه قرأ فيها ب ( حم الدخان ) ، وأنه قرأ فيها ب ( سبح اسم ربك الأعلى   ) ، وأنه قرأ فيها ب ( والتين والزيتون ) ، وأنه قرأ فيها ب ( المعوذتين ) ، وأنه قرأ فيها ب ( المرسلات ) ، وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل . قال : وهي كلها آثار صحاح مشهورة . انتهى . 
وأما المداومة فيها على قراءة قصار المفصل دائما فهو فعل  مروان بن الحكم  ، ولهذا أنكر عليه  زيد بن ثابت  وقال : ( ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل ؟ وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولى الطوليين   . قال : قلت : وما طولى الطوليين ؟ قال ( الأعراف ) وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن . 
وذكر  النسائي  عن  عائشة  رضي الله عنها ، أن النبي قرأ في المغرب بسورة ( الأعراف ) فرقها في الركعتين 
 [ ص: 205 ] فالمحافظة فيها على الآية القصيرة والسورة من قصار المفصل خلاف السنة ، وهو فعل  مروان بن الحكم   . وأما العشاء الآخرة  فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم ب ( والتين والزيتون   ) ووقت لمعاذ  فيها ب ( والشمس وضحاها   ) و ( سبح اسم ربك الأعلى   ) ( والليل إذا يغشى   ) ونحوها ، وأنكر عليه قراءته فيها ب ( البقرة ) بعد ما صلى معه ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف  فأعادها لهم بعد ما مضى من الليل ما شاء الله ، وقرأ بهم ب ( البقرة ) ، ولهذا قال له : ( أفتان أنت يا معاذ   ) فتعلق النقارون بهذه الكلمة ولم يلتفتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها . 
وأما الجمعة  فكان يقرأ فيها بسورتي ( الجمعة ) و ( المنافقين ) كاملتين و ( سورة سبح ) و ( الغاشية ) . 
وأما الاقتصار على قراءة أواخر السورتين من ( يا أيها الذين آمنوا . . . ) إلى آخرها فلم يفعله قط ، وهو مخالف لهديه الذي كان يحافظ عليه . 
وأما قراءته في الأعياد؛  فتارة كان يقرأ سورتي ( ق ) و ( اقتربت ) كاملتين ، وتارة سورتي ( سبح ) و ( الغاشية ) ، وهذا هو الهدي الذي استمر صلى الله عليه وسلم عليه إلى أن لقي الله عز وجل لم ينسخه شيء . 
ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده ، فقرأ أبو بكر  رضي الله عنه في  [ ص: 206 ] الفجر بسورة ( البقرة ) حتى سلم منها قريبا من طلوع الشمس ، فقالوا : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ كادت الشمس تطلع ، فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين . 
وكان عمر  رضي الله عنه يقرأ فيها ب ( يوسف ) و ( النحل ) وب ( هود ) و ( بني إسرائيل ) ونحوها من السور ، ولو كان تطويله صلى الله عليه وسلم منسوخا لم يخف على خلفائه الراشدين ويطلع عليه النقارون  . 
وأما الحديث الذي رواه  مسلم  في " صحيحه " عن  جابر بن سمرة   ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر ( ق والقرآن المجيد )  وكانت صلاته بعد تخفيفا  ) فالمراد بقوله " بعد " أي بعد الفجر ، أي إنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها ، وصلاته بعدها تخفيفا . ويدل على ذلك قول أم الفضل  وقد سمعت  ابن عباس  يقرأ ( والمرسلات عرفا ) فقالت : يا بني لقد ذكرتني بقراءة هذه السورة ، إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب ، فهذا في آخر الأمر  ) 
وأيضا فإن قوله : وكانت صلاتها " بعد " غاية قد حذف ما هي مضافة إليه ، فلا يجوز إضمار ما لا يدل عليه السياق ، وترك إضمار ما يقتضيه السياق ، والسياق إنما يقتضي أن صلاته بعد الفجر كانت تخفيفا ، ولا يقتضي أن صلاته كلها بعد ذلك اليوم كانت تخفيفا ، هذا ما لا يدل عليه اللفظ ، ولو كان هو المراد لم يخف على خلفائه الراشدين فيتمسكون بالمنسوخ ويدعون الناسخ . 
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " أيكم أم الناس فليخفف   " وقول أنس  رضي الله عنه  [ ص: 207 ]  : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام  ) فالتخفيف أمر نسبي يرجع إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه ، لا إلى شهوة المأمومين ، فإنه لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه ، وقد علم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة ، فالذي فعله هو التخفيف الذي أمر به ، فإنه كان يمكن أن تكون صلاته أطول من ذلك بأضعاف مضاعفة ، فهي خفيفة بالنسبة إلى أطول منها ، وهديه الذي كان واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون ، ويدل عليه ما رواه  النسائي  وغيره عن  ابن عمر  رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ، ويؤمنا ب ( الصافات ) ، فالقراءة ب ( الصافات ) من التخفيف الذي كان يأمر به . والله أعلم . 
				
						
						
