: فرق ما بين لحم الجمل الرافضة وأهل السنة ، كما أنه أحد الفروق بين اليهود وأهل الإسلام ، فاليهود والرافضة تذمه ولا تأكله ، وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام حله ، وطالما أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حضرا وسفرا .
ولحم الفصيل منه من ألذ اللحوم وأطيبها وأقواها غذاء ، وهو لمن اعتاده بمنزلة لحم الضأن لا يضرهم البتة ، ولا يولد لهم داء ، وإنما ذمه بعض الأطباء بالنسبة إلى أهل الرفاهية من أهل الحضر الذين لم يعتادوه ، فإن فيه حرارة ويبسا ، وتوليدا للسوداء ، وهو عسر الانهضام ، وفيه قوة غير محمودة ، لأجلها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء من أكله في حديثين صحيحين لا معارض لهما ، ولا يصح تأويلهما بغسل اليد ، لأنه خلاف المعهود من الوضوء في [ ص: 345 ] كلامه ، صلى الله عليه وسلم لتفريقه بينه وبين لحم الغنم ، فخير بين الوضوء وتركه منها ، وحتم . ولو حمل الوضوء على غسل اليد فقط لحمل على ذلك في قوله : ( الوضوء من لحوم الإبل ) . من مس فرجه فليتوضأ
وأيضا : فإن آكلها قد لا يباشر أكلها بيده بأن يوضع في فمه ، فإن كان وضوءه غسل يده ، فهو عبث ، وحمل لكلام الشارع على غير معهوده وعرفه ، ولا يصح معارضته بحديث : ( ) لعدة أوجه : كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار
أحدها : أن هذا عام ، والأمر بالوضوء منها خاص .
الثاني : أن الجهة مختلفة ، فالأمر بالوضوء منها بجهة كونها لحم إبل سواء كان نيئا أو مطبوخا أو قديدا ، ولا تأثير للنار في الوضوء ، وأما ترك ، ففيه بيان أن مس النار ليس بسبب للوضوء ، فأين أحدهما من الآخر ؟ هذا فيه إثبات سبب الوضوء ، وهو كونه لحم إبل وهذا فيه نفي لسبب الوضوء ، وهو كونه ممسوس النار ، فلا تعارض بينهما بوجه . الوضوء مما مست النار
الثالث : أن هذا ليس فيه حكاية لفظ عام عن صاحب الشرع ، وإنما هو إخبار عن واقعة فعل في أمرين ، أحدهما متقدم على الآخر ، كما جاء ذلك مبينا في نفس الحديث ، ، هكذا جاء الحديث ، فاختصره الراوي لمكان الاستدلال ، فأين في هذا ما يصلح لنسخ الأمر بالوضوء منه ، حتى لو كان لفظا عاما متأخرا مقاوما ، لم يصلح للنسخ ، ووجب تقديم الخاص عليه ، وهذا في غاية الظهور . أنهم قربوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لحما ، فأكل ، ثم حضرت [ ص: 346 ] الصلاة ، فتوضأ فصلى ، ثم قربوا إليه فأكل ثم صلى ، ولم يتوضأ ، فكان آخر الأمرين منه ترك الوضوء مما مست النار